صاحب طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر موجة كبيرة من تعاطف غير مسبوق مع القضية الفلسطينية من تبرعات ومقاطعات لمنتجات العدو، وفيديوهات يتحدث أصحابها عن غضبهم مما يحدث لأهل غزة، بل ومظاهرات لا تتوقف في بلاد العالم مطالبة بوقف العدوان على غزة، والرائع أن هذه الأفواج تدخل في دين الله. لكن مع طول المدة سمعنا نداءات تحذرنا من تبخر العاطفة وانخفاض مؤشر التفاعل، مما يسبب خطورة على أحبابنا في غزة الأبية.
تدمع قلوبنا ونسعى لتفريج كربة أهل غزة بما نملك، فالسعي في حاجتهم وإجارتهم واجب إيماني لا يجوز الحياد عنه.
أصل إيماني لا حياد عنه
الأصل أن قلوبنا مع إخواننا في غزة، مع أرواحهم التي تزهق، وبيوتهم التي تهدهم، وأمنهم الذي يذهب، وحياتهم التي تمحى. تدمع قلوبنا ونسعى لتفريج كربتهم بما نملك، فالسعي في حاجتهم وإجارتهم واجب إيماني لا يجوز الحياد عنه، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) ]سورة التوبة:71 [.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) رواه أحمد وحسنه الألباني.
كان من ديدنه صلى الله عليه وسلم أن يدعوا للمظلومين بالنجاة وعلى الظالمين بالهلاك
مجزرة بئر معونة وتفاعل بدعاء القنوت
تفاعل النبي صلى الله عليه وسلم بالقنوت فى صلواته الخمس، على قاتلي أهل القرآن الكريم لفاجعة أصابت الأمة، مستعصما بباب الديان القهار المنتقم الجبار، معلما صحابته بل والمسلمين جميعا أن يظلوا أوفياء لإخوانهم يقدمون ما يملكون. وعن أنس بن مالك رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع في صلاة الصبح يدعو فيها على رعل، وذكوان، ويقول: عصية عصت الله ورسوله. رواه البخاري
بل وكان من ديدنه صلى الله عليه وسلم أن يدعوا للمظلومين بالنجاة وعلى الظالمين بالهلاك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، في الركعة الآخرة من صلاة العشاء؛ قنت: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف). رواه البخاري
ومما يروى أنه ظل قائما طوال ليلة بدر يصلي إلى جذع شجرة، ويكثر في سجوده أن يقول: يا حي يا قيوم، يكرر ذلك صلى الله عليه وسلم ويسأل الله النصر والتمكين والحفظ للعصابة المؤمنة، وحين رأى رسول الله جند قريش قال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم أحنهم الغداة. صلى الله عليك يا رسول الله.
الخوف أن يظن البعض أن جهده ككوب الماء لن يضر أهل غزة، وأظن أننا لو وضعنا القضية نصب أعيننا وأن جرة العسل لن تمتلئ إلا به، أظنه سيكون دافع قوى لعدم التراخي والاتكالية.
احذر الاتكالية
من الخطورة بمكان الاتكالية على الآخرين، وأن يعتمد كل على صاحبه في حضور الفاعليات، أو تقديم الواجبات نحو أحبة القلب إخواننا في غزة، فإذا بالساحة تخلوا، فقد ذهب كل إلى حاله معتمدا على حضور صاحبه، وهنا يحكى أن قرية أرادت تقديم هدية غالية الثمن لأميرها الذى أحبوه، فكانت جرة عسل مما يحبه، وحتى لا يقع أحد فى حرج عدم المقدرة على العطاء قالوا ليضع كل واحد كوب من العسل فى ظلام الليل حتى تمتلأ الجرة، وفي الصباح وجدوها وقد امتلأت ماء وما فيها نقط عسل، فقد اعتمد كل على صاحبه وقال فى نفسه كوب ماء لن يضر جرة كلها عسل.
والخوف أن يظن البعض أن جهده ككوب الماء لن يضر أهل غزة، وأظن أننا لو وضعنا القضية نصب أعيننا وأن جرة العسل لن تمتلئ إلا به، أظنه سيكون دافع قوى لعدم التراخي والاتكالية.
إخواننا في غزة ما تركوا السلاح، فكيف لنا أن نترك واجباتنا نحوهم وهي قليل بجوار ما يقدموه.
لا لفتور قد يتسرب للنفوس
مع طول المدة قد يدب فتور في نفوس البعض، بل وسقوط همة وعدم شغف بمتابعة أخبار أهل غزة، وربما تراجع عن حضور الفعاليات وما يقوم به من واجبات. دعونا نرى من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يثبتنا على ما وصلنا إليه من خير، وأنه ما وضع السلاح رغم أنه راجع من قتال، وما زال ينفض رأسه من غبار المعركة، ولكنه الثبات وعدم الفتور وجهوزية دائمة لا حياد عنها. (فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح، فاغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: وضعت السلاح؟ والله، ما وضعناه اخرج إليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين؟ فأشار إلى بني قريظة، فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وإخواننا في غزة ما تركوا السلاح، فكيف لنا أن نترك واجباتنا نحوهم وهي قليل بجوار ما يقدموه. واختم بكلمات ماتعة كتبها معالي الدكتور عصام البشير حول هذا المعنى: (إن الاستمرار في نصرة إخواننا في غزة بكل سبل الإسناد والدعم، فرض مكتوب وواجب محتوم، لا يسع أحد التخلف عنه ما دام العدوان قائما، والدماء تسيل، ولا عذر لأحد في التقصير عن شيء يستطيعه بحجة أنه -لا أمل- فنحن متعبدون إلى الله بالأخذ بالأسباب، والله هو الناصر، وهو يدبر لعباده، فاستعينوا بالله ولا تعجزوا، واستمروا في إسناد إخوانكم، واجتهدوا في ابتكار الأساليب الفعالة، ومن يتوكل على الله فهو حسبه "وٱلذین جـٰهدوا۟ فینا لنهدینهمۡ سبلناۚ وإن ٱلله لمع المحسنین" (العنكبوت: 69)
ونسأله تعالى أن يثبت قلوبنا على نصرة إخواننا في غزة إنه ولى ذلك والقادر عليه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.