شعار قسم مدونات

آيات الله تتجلى في غزة!

مقاتلون فلسطينيون يقتادون جنديا إسرائيليا أسيرا خلال عملية طوفان الأقصى
مقاتلون فلسطينيون يقتادون جنديا إسرائيليا أسيرا خلال عملية طوفان الأقصى (مواقع التواصل الاجتماعي)

كانت الآيات والمعجزات مما اختص الله عز وجل به أنبيائه ليظهر على أيديهم الخوارق التي تؤيد صدقهم، وهي تكون في زمن النبي وبحضور قومه، إلا أن الله تعالى لما جعل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة للنبوات فقد جعل معجزته الخالدة هي القرآن الكريم، فهو الكتاب الذي "لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد". (كتاب فضائل القرآن)

والقرآن معجز في نظمه وأحكامه وإخباره بالأخبار الماضية والمستقبلية، فهو الأصل الأول، والمعجزة الكبرى التي أيد الله تعالى نبيه بها، وقد أيده بالأصل الثاني وهو السنة النبوية، وفيهما العديد من البشارات التي هي بمثابة المقويات للإيمان والمثبتات لليقين.

وما كنا نظن أن نعيش لنرى تلك المبشرات والآيات تتحقق وتظهر أمام أعيننا وعبر ما تنقله الشاشات، وذلك في الطوفان الهادر الذي طاف المعمورة، فهو الطوفان الذي أخذ الألباب، وطارت بهديره العقول، وتعلقت به الأفئدة بما تراه من المعقول وغير المعقول.

حتى رأينا تحقق العديد من آيات الله مع بداية هدير طوفان الأقصى وفي أثنائه، فقد تجلت (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)) (يس: ٩)، وذلك عند عبور الجدار العازل رغم كل الاستعدادات المادية التي اتخذها دولة الاحتلال، لتحصين نفسها فوق الأرض وتحتها وعبر الكاميرات والأجهزة المستشعرة والحساسة، وعند إلصاق المجاهد العبوة اللاصقة على بدن الدبابة ليدمرها من المسافة صفر، وعند زرع لغم "شواظ" تحت جنزير الدبابة لتنسفها وتنسف المتحصنين فيها.

تجلت (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا ‌الرُّعْبَ) (آل عمران: ١٥١)، بما رأينا من رعب في عيون وتصريحات وتصاوير قادة جيش الاحتلال وجنوده، وشهادات الخارجين منهم من المعارك.

وتجلت (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ ‌الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ) (المائدة: 23)،فكان دخول صباح السابع من أكتوبر 2023، دخولا جعل الداخلين هم الغالبون، وقد أسروا وغنموا وتحصلوا على معلومات استخباراتية مهمة، فتلك الغلبة جعلت العدو مشتت الفكر وفاقد للسيطرة.

إعلان

وتجلت (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ ‌الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٦٠)) (الأنفال)، فقد رأينا ما حقق الله لهم بترهيب العدو ومن والاه وناصره وطبع معه، وذلك نتيجة ما ألتزم المجاهدون به من الإعداد المناط بهم وهو قدر استطاعتهم.

وتجلت (وَبَشِّرِ ‌الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦)) (البقرة)، و(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ‌بِالْقَوْلِ ‌الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧)) (إبراهيم)، وذلك في ما رأينا من صبر وثبات عند أهل غزة رغم كل إصاباتهم من تهدم بيوتهم وقتل أحبابهم، وما أصابهم من الخسائر المادية والمعنوية، واستمرار الحصار ومنع وصول المساعدات الغذائية والطبية والاحتياجات الرئيسية لهم، فتسمع أحدهم يصبر أخيه ويواسيه بقوله: "راح عند ربنا اللي أرحم منا"، أو يصبر نفسه بقوله: "معلش"، أو "هاذي روح الروح"، أو يعلم غيره بقوله: "كلنا مشاريع شهادة".

وتجلت (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ ‌قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠)) (آل عمران)، فقد رأينا الشهيد الساجد الحافظ لكتاب الله "تيسير أبو طعيمة" الذي صورته طائرة الاستطلاع الإسرائيلية ونشرت مقطع الفيديو بتاريخ 29/12/2023، بعد أن أصابته شظية في ظهره فجلس في زاوية رافعا سبابته وناظرا إلى السماء، ثم ألقى نفسه ساجدا ليستقبل الآخرة ويلقى ربه شهيدا ساجدا.

إعلان

وتجلت (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا ‌الرُّعْبَ) (آل عمران: ١٥١)، بما رأينا من رعب في عيون وتصريحات وتصاوير قادة جيش الاحتلال وجنوده، وشهادات الخارجين منهم من المعارك.

تجلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

وتجلت (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى ‌مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (١٤)) (الحشر: ١٤)، بما رأينا من تحصن العدو في المدرعات والدبابات وإلقاء القذائف من الطائرات، وظهور الاختلافات بينهم في مجلس الحرب والبرلمان، وخروج المظاهرات الشعبية المطالبة بتحرير الأسرى المحتجزين لدى المقاومة والمطالبة باستقالة الحكومة.

وتجلت (وَالَّذِينَ كَفَرُوا ‌بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (الأنفال: ٧٣)، فقد رأينا الجسور الجوية والبحرية لمد دولة الاحتلال بالسلاح والتموين، كما تجلى ذلك في الزيارات العديدة لقادة دول الغرب لدولة الاحتلال، ومعارضتهم لأي مشروع أممي يسعى لإيقاف الحرب في غزة.

وتجلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس"، حيث إننا نرى ما يعاني إخواننا من مخالفة الأعداء ومن خذلان الأقربين والأصدقاء لهم، فلا هم يستطيعون التأثير الدولي لإيقاف الحرب، ولا هم يستطيعون إدخال المساعدات والمعونات الإنسانية لمساعدة المحتاجين من أهل غزة.

وتجلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فلقد رأينا الرابطة العظيمة التي اجتاحت الشعوب الإسلامية في كل مكان لنصرة إخوانهم بما يستطيعون، وبان ذلك جليا بما ينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الحركة الشعبية لمقاطعة المنتجات الداعمة لدولة الاحتلال، وكذلك بالمساعدات المقدمة للإغاثة رغم صعوبة المسالك وانقطاع طرق وصولها إلى المتضررين في غزة.

لعل هذا الطوفان سيكون مغيرا لوجه الأرض ومخرجا لكل متخاذل وخائن ومتعاون مع المحتلين، كما غير طوفان سيدنا نوح عليه السلام وجه العالم وأخذ كل ظالم حتف أنفه

فهذه بعض آيات الله التي تتجلى في الطوفان الطواف على العالم كله، ولعل لهذا الطوفان ما بعده، وربما هي صفحة من صفحات التاريخ بدأت بالطي، وفتح صفحة جديدة ليكتب فيها تاريخ جديد، ولا شك أنه لن يكتب إلا بدماء كثيرة وتضحيات عظيمة ونيات صادقة ونفوس كبيرة، كما يقول الشاعر:

إعلان

إذا كانت النفوس كبارا .. تعبت في مرادها الأجسام

وكما قال الآخر:

وللحرية الحمراء باب .. بكل يدٍ مضرجة تدق

فمن لم تكن له نفس كبيرة، أو أراد الحرية دون بذل الدماء ، فهو كمن قال فيهم الشاعر:

ومكيف الأيامِ ضد طباعها .. متطلب في الماء جذوة نار

ولعل هذا الطوفان سيكون مغيرا لوجه الأرض ومخرجا لكل متخاذل وخائن ومتعاون مع المحتلين، كما غير طوفان سيدنا نوح عليه السلام وجه العالم وأخذ كل ظالم حتف أنفه، كما قال تعالى: (فَأَخَذَهُمُ ‌الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١٤))  (العنكبوت: ١٤).

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان