بداية وقبل أن أبدأ فحوى تدوينتي هذه أود أن أتطرق إلى حقيقة ما سيقرأ هنا من كلمات أتت عبر علاقاتي مع مختلف المجتمعات، فانطبعت في الذاكرة من خلال حاسة البصر والسمع، وكل ما يكتب لا يقصد به التقليل من فرد أو إهانة مجتمع أو عادات وتقاليد.. فنحن متفقون على المضمون، وهو أن كل إنسان قادر على صناعة نفسه بما يليق بنفسه.. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾، [الحجرات: 11].
وأحب أن أنبه إلى أن هناك قواعد ثابتة للإنسان في الشرق والغرب على حد سواء، ولكن هناك اختلافات متغيرة -أيضا- فیظل الرجل رجلا، والمرأة مرأة، ومطالبة المرأة بالمساواة مع الرجل هو في حقيقته أكبر إهانة لها؛ لأنها تجعل من الرجل في هذه الحالة المعيار المثالي لما يجب أن تكون عليه.
يقال الرجل یفكر بعقله سواء إن كان شرقيا أو غربيا، والمرأة تفكر بقلبها وتنساق وراء مشاعرها، ولكن الاختلافات تكمن في أن الشرق لدیھم عادات وتقالید، والغرب منفتحون ولا یرتبطون لا بكلام الناس، ولا بعقوبات صارمة. فهناك الرجال والنساء سواسية فهم لديهم الحریة الكاملة في حیاتھم الخاصة من سن المراهقة، ولا أحد يستطيع التحكم بهم حتى وإن كانوا الأهل، أما الشرق مختلف تماما، فیفرقون بین الرجل والمرأة، وهناك مقولة تقول: "الرجل رجل ولا یعیبه شيء"، ومنهم من كانت معايير الرجولة لديهم بتربية الشوارب وفلت اللحى وفرض الكلام على الطرف الآخر، متناسين أدنى أساسيات الرجولة في المجتمع، وكثير منهم يهربون من أدنى شروط المسؤولية بأنفسهم أولا، وبالمجتمع الذي من حولهم، وكثير ممن تخطوا العقد الثاني من عمرهم يعيشون في جلابيب أهاليهم متباهين بما ليس لهم، وبإنجازات من يأويهم، ولا شك أن التعميم مرفوض هنا، فهناك رجال بعكس ذلك تماما، وفحوى موضوعي ليس عليهم الآن.
أما المرأة فيقال "المرأة بنصف عقل"، ومع الأسف تلك المقولة موجودة في بعض المجتمعات، متناسين أنهم قد أهانوا أمهاتهم في المقدمة، ومن ثَمّ أخواتهم، ولا يعلمون أن المرأة هي أكبر مربية للرجل، فهي تعلمه الفضائل الأخلاقية وآداب السلوك ورقة الشعور، إنها صديقة الشعر، ورمز لسيدة الحب، وحاملة الوجع وتاج للصبر.
إن الحياة الاجتماعية في الشرق جعلت حق تقرير مصير المرأة في أول قائمة الأخلاق عند النساء، حتى قد يضحي الرجل -أحيانا- بتعليم المرأة بذاته، وإطلاعها على شؤون الدنيا التي يراها بمنظوره، التي يريدها في سبيل إرضاء المجتمع من حوله، ويود لو أن الأرض ابتلعته إذا سمع شيئا لا يتناسب مع عاداته سواء من زوجته أو ابنته أو إحدى قريباته، نعم إنه تقرير المصير المسمى فضيلة النساء، أما في الغرب ليس لهذا الكلام قيمة كما في الشرق، ويظهر ذلك كثيرا في تربية الأولاد على أساس علمي وأناني، كما يظهر في حديث الأنثى وتصرفاتها متناسية حق المجتمع عليها، وهمها حق تقرير حياتها بنفسها فقط دون أدنى شروط، أو معايير دينية مهما كان نوع الدين.
هنا أود أن أنبه إلى أنه من الصعب أن نحكم أيهما الأفضل للمجتمعات البشرية، فهذه النظرة الخاطفة ترينا أن في كل من المرأة الشرقية والمرأة الغربية عيوبا ومزايا، ولكن دعوني أسهب في الحديث عن (فخ الازدواجية) الذي يسيطر على حياة المرأة عامة، فلطالما تمنّت أن تطلق العنان للأنثى الحرة بداخلها، وقد تأسف في بعض الأحيان على الوقت والطاقة الضائعة في هذا الصراع المجتمعي، الذي كان من الممكن استغلاله لتحقيق إنجازات لم يستطع الرجل نفسه تحقيقها، ومن هنا خلقت -مع الأسف- كلمة التضحية.
حصول المرأة المنتجة على راتب أقل من الرجل المنتج، وبالمنصب نفسه في الغرب باعتقادي يسمى تضحية، وضعف المرأة في التعليم في الشرق -أيضا- تضحية، وتقدير المرأة الشرقية للأمومة تضحية، واعتماد المرأة الغربية على نفسها تضحية، وخضوع المرأة الشرقية للعيش مع شخص غير مناسب لإرضاء المجتمع تضحية، وحرمان المرأة الغربية من أنوثتها -كذلك- تضحية.
وتلك التضحيات سواء بالإرادة كانت أو عكس ذلك، وضعت المرأة بشكل عام في خطأ شنيع، وھو أن تجعل الرجل یشعر بالأمان التام، منتجة في دورة الحياة عامة رجالا بصفات مختلفة، منهم: الشهم والوضيع والمخلص والأناني وغيرها من تلك الصفات.
إن المضمون العام لوضع المرأة سواء في الشرق كانت أو الغرب له فكر شبه واحد، قابعا بعبثية الثقافات ومختلف بنوعية العادات، وما عدا ذلك فالمرأة روح، والروح لها نبض، وثمة نبض يلون وجهه بكل أوجه، لون ذو تاريخ عميق، حيث الروح فيها مكرمة نقيه.. تبقى ولا تهرم.
رفعت الأقلام وجفت الصحف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.