إذا كان الاقتباس هو نقل نص أو جزء من نص أو حتى جملة من مؤلف آخر بصورة مباشرة، أو حتى غير مباشرة، بغرض تأكيد فكرة أو توجيه نقد، أو إجراء مقارنة، فإن عنوان المقال مما يندرج تحت هذا التعريف.
ولأن العنوان هو اجتزاء من آية، فقد يُغضب العنوان البعض، ونحن في هذا المقال عزمنا على إغضابهم، وهذا البعض مقسوم إلى قادة وتبع، وغضب قادة المشهد مفهوم، لكن غضب التبع، في تكرار سخيف لمشهد هم له حافظون {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا}، فهو لعمري عين الضلال ببيعهم القضايا العادلة بمصالح شخصية آنية زائلة.
بات البحث عن جنسيةٍ الشغل الشاغل، ومع ضيق ذات اليد وانغلاق "حنفية المعونات" سواء على العموم، أو على سبيل التهذيب، باتت لقمة العيش أصعب من التنقيب عن الذهب
لقد حرمت بلادنا منذ أن تم التضييق علينا واضطررنا للخروج منها فارين بمبادئنا التي دافعنا عنها، ولا نزال، حتى بعد أن كلّفنا التمسك بتلك المبادئ فراق الأهل والأحباب والدور والمال والعمل والذكريات، لكننا آمنا بأن كل هذا يهون أمام الجزاء المنتظر، والمصير الموعود، فالواعد هو الحق، ووعده، بلا شك، حق، وما دون ذلك من وعود البشر باطلة، ولأن البشر لم يطلقوا من الوعود ما يمكن به استدراك ما فُقد، بل على العكس رأوا في المظلومية سبيلاً للبقاء، واستدرار عطف المتعاطف، فقد طالت المحنة من دون رؤية كاشفة ولا خطة حاذقة، تتخذ من العلم سبيلاً، وتتحرى مبادئه الحديثة وعلى رأسها العلوم الإستراتيجية، التي يسهل معها رسم الخطة على النسق الإستراتيجي من أولويات وركائز لتلك الأوليات، ومن ثم الأهداف، من خلال المبادرات المستقبلة من مجموعة العمل وفرقهم التي يمثلونها، ومن ثم وضع هدف لكل أولوية من تلك الأوليات، مع التربص للفرص التي قد تظهر خلال التنفيذ ومن ثم وضع خطط ولو مرحلية لتلك الفرص، وفي أثناء التنفيذ، يبرز دور مجموعات الرقابة والتقييم، من أجل تصحيح المسارات، أو حتى إعادة النظر في الأهداف الكلية للخطة، وصولاً لتحقيق الهدف الإستراتيجي بإزالة المعوقات وعودة القطار لمساره الصحيح.
إن خروج الناس من وطنهم وبداية حياة جديدة، حيث لا يعرفون لغة البلاد التي ذهبوا إليها ولا طبائع أهلها، لأمر عظيم يستهلك الإنسان، لا سيما لو كان صاحب عيال، وهو ما يزيد من تلك الأعباء، فعبء العيال ينوء بأولي القوة والمال في المُقام، فما بالك في السفر والغربة في ظل لغة غريبة وقوانين يجهلها، ولا معين، حتى ولو أظهر المضيف بعض التسهيلات، لكن في النهاية انشغال الأفراد بحياتهم وقانونية إقامتهم، تزامنا مع قرار تبريد الشارع واستمرارهم في ما دأبوا عليه من التكتل والتجمع في بوتقات ترى أن الحياة هي الحياة ضمن هذا التجمع، وما عداه تعرض للضياع؛ وهو ما منعهم الاندماج في المجتمع وإيجاد فرصة بديلة، والكلام ينسحب على العموم، من دون نماذج تعد على أصابع اليدين، حققت نجاحات.
وفي مرحلة لاحقة يعيشها كثيرون حتى الآن، بات البحث عن جنسيةٍ الشغل الشاغل، ومع ضيق ذات اليد وانغلاق "حنفية المعونات" سواء على العموم، أو على سبيل التهذيب، باتت لقمة العيش أصعب من التنقيب عن الذهب، مما زاد من صعوبة الحياة، كل هذا.. ولا تزال محرمة عليهم العودة لبلادهم هرباً من حالهم هذه.
الأمور أكثر تعقيدا مما كانت عليه منذ 10 سنوات وجرى كثير من الماء تحت الجسر، حتى بات من يحسن السباحة في السابق ربما لا يقوى على التيار الآن، والمنظومة الحاكمة بلا شك ثبتت أقدامها ووجدت شرعيتها حتى من خلال الأمر الواقع الذي فرضته
ومع قرار النظام منذ البداية عدم تجديد جوازات السفر، في شكل من أشكال الضغط وصولا لمرحلة العقاب الجماعي الهادف إلى إخضاع الكل لسيطرته والاعتراف به، في ظل فوات الفرص وتساقط القيادات في ظلمات ثلاث -ظلمة القيادة والسيطرة المفقودة، وظلمة الرؤية والخطة المفقودة، وظلمة الخلافات والود المفقود- جعلتها محرمة عليهم، ومع تقلبات السياسة، وتداعي المصالح، وتقارب الفرقاء وتضاؤل مساحات المناورة والتباين التي كانوا يلعبون عليها، دخل أهل المبادئ في مرحلة جديدة تلت مرحلة البحث عن الذات في الشتات، مرحلة دفعوا إليها دفعا، بموجب كل تلك المعطيات، مرحلة البحث عن مأوى جديد بعد أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت من فرص أضاعها من يملك القرار.
ولأن الرائد لا يكذب أهله، فإن القول بأن الأمور ليست معقدة.. كذب، والقول بأن "الانقلاب يترنح".. كذب، والقول بأن حركة من داخل المنظومة قد تغير الأوضاع.. كذب، والقول بأن الغرب غاضب على النظام فسيغيره.. كذب، ذلك أن الأمور أكثر تعقيدا مما كانت عليه منذ 10 سنوات وجرى كثير من الماء تحت الجسر، حتى بات من يحسن السباحة في السابق ربما لا يقوى على التيار الآن، والمنظومة الحاكمة بلا شك ثبتت أقدامها ووجدت شرعيتها حتى من خلال الأمر الواقع الذي فرضته، والقول بأن حركة من داخل المنظومة قد تغير الوضع هو محض خيال يراد به الركون والدعة، وحتى لو طمع أحدهم، كما حدث في السودان، فإن المصير سيكون مصير السودان، كما أن فكرة أن الغرب غير راض عن رأس النظام وسيغيره من وهم المنظرين، إذ إن الحاكم في السياسة هو "المصلحة"، كما أن أزمة الغرب في البديل، حتى لو كان الرجل مغضوبا عليه.
لكن ومع كل ما تقدم فإن الأمل باق إذا ما اتخذنا من العلم وسيلة، ونحينا الأهواء ورأي الفرد المتكلس، وصنعنا من الأيام فرصة وتربصنا بها فاقتنصناها.. ساعتها، لن تكون "محرمة عليهم".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.