دندنات حول الرحيل.. قاسم بدري

مبادرة "سامي" لإعادة تأهيل جامعة الخرطوم
جامعة الخرطوم (الجزيرة)

تحيات الصحة والعافية للبروفيسور قاسم يوسف بابكر بدري، الذي أشيع خبر وفاته، وتواردت أنباء أخرى تفيد بكذب الخبر، ولا شك أن الخبر يهم الكثيرين، فالبروفيسور قاسم بدري رمز من رموز التعليم، والتدريس الجامعي في السودان الحياة، وهو المنتمي بدوره لأسرة نذرت نفسها للتعليم، وتعتبر رائدة هذا المجال بلا نزاع، خاصة التعليم النسوي، والبروفيسور قاسم بدري يواجه وضعا صحيا صعبا على أي حال، ومما يضاعف الألم أن هذا الهم الشاغل لا يشغل آل بدري فقط، ولا مؤسسة الأحفاد، بل إنه يأتي في سياق وضع فقدت فيه الثقافة السودانية ذاكرتها الحية، والمكتوبة، والشفوية.

مؤسس الأسرة الراحل الشيخ بابكر بدري الملقب بالعميد من مثقفي الثورة المهدية، وابتعد عن النشاط السياسي مع الاستعمار البريطاني ليتفرغ للتعليم، وأسس مدرسة الأحفاد الثانوية ليعلم فيها حفيداته، وأحفاده، فحملت هذا الاسم لتصبح رمزا للتعليم، والتهذيب المنتمي للبيئة السودانية، والمتصالح معها في موازاة أنماط تعليمية عديدة قدمت في تلك الحقبة.

بابكر بدري اهتم بجمع التراث السوداني، ودعم التعليم، لتواصل الأسرة الاهتمام بمشروعها الذي كان فرصة كبيرة للتعلم، والسلوك القويم، وفي الوقت ذاته مثلت الأحفاد نموذجا لتخريج قيادات ريادية نسوية، واليوم وفي هذه الهجمة البربرية على السودان، يشيع خبر موت قاسم بدري، أطال الله عمره، وأعانه على الصمود فقد تعددت أسباب الموت، فمن لم يمت قتلا، مات غما.

قاسم بدري ولد في عام 1946 بأم درمان، ودرس بها مراحله المختلفة، تأثر بمزيج مختلف من الشخصيات في التعليم الذي تلقاه في مدارس الأحفاد التي أسستها أسرته، ويتذكر قاسم بدري في لقاءاته الصحفية شخصية فاطمة دكة معلمة الروضة، ومعلميه في الابتدائية إبراهيم إدريس، وهلال زاهر، ومن الطريف أن أحد المؤثرين فيه كان شخصية صادق عبد الله عبد الماجد زعيم إخوان السودان المسلمين، والذي اختلف مع حكومة الترابي-البشير، حيث يصفه قاسم بدري بالاعتدال، والهدوء، والعقلانية.

إعلان

بهذا المزيج المتداخل درس قاسم بدري التاريخ، وحاز فيه درجة الماجستير، وواصل حتى حاز الدرجات العلمية المختلفة فيه، ودرس بكلية الأحفاد الجامعية التي كانت تضم 35 طالبة فقط، وكبرت اليوم لتحتضن ستة آلاف طالبة يصفن بروفيسور قاسم بدري بأنه "بابا قاسم".

عرف بتواضعه، وبساطته، وروحه المرحة، وأنه قد يلقي الكلام ببساطة، ويتصرف بأريحية، فالأحفاد كالمنزل تماما، محضن تربوي، تعبر فيه المرأة عن نفسها، ملتزمة بقيم السودان التي يمتزج فيها الدين بالعرف، بالعادات، والسلوك.

ما تعرضت له الجامعات السودانية اليوم بفقدان مكتبة جامعة أم درمان الأهلية، والخطر الذي يتهدد جامعة الخرطوم، والمتحف القومي، إن لم يكن قد حاق بهما حقا، عدا عن تعطل التعليم، وتوقفه، كله ينذر بكارثة ثقافية، ومحو للذاكرة الجماعية للسودان منذ عهد المهدية، إنها المهدية ذاتها التي انطلق إبانها إبداع وتألق العميد الشيخ بابكر بدري، وتواصل في أحفاده.

ليكن الله في عونك بابا قاسم، وعون السودان الذي يفقد رجاله تباعا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان