شعار قسم مدونات

فوز أردوغان انطلاق لتركيا الجديدة

الشعب التركي
استطاع أردوغان أن يفوز رغم تحالف 6 أحزاب رئيسية قبل أن تنضم إليها 3 أخرى (رويترز)

لن أنكر أنني كنت خائفًا، لكن الخوف خالطه يقين غريب، قرابة الشهر تصارعت بداخلي الآدمية المادية الترابية مع الروحانية النورانية الإيمانية، قرابة الشهر وأنا والعالم يقف على أطراف أصابعه مشدوهًا مترقبًا، في حالة ترقب يعادل ترقب العالم لنتائج الانتخابات الأميركية ويزيد، فالكل يصف الانتخابات التركية بالمصيرية، ولعل التسمية لها مدلولات لدى كل من استخدم المصطلح.

فاز أردوغان، ليحقق رقمًا قياسيًا جديدًا يضاف إلى إنجازاته الكبيرة، وليضع فصلًا جديدًا في دليل الديمقراطية الغربية العوراء التي لا ترى إلا بعينها متجاهلة إرادة الشعوب، التي طالما تغنوا بها إذا كانت هذه الشعوب تحت وصايتهم وفي حظيرتهم، أما الشعوب التي تأبى الخنوع وتسعى لاسترداد كرامتها مستدعية حضاراتها المطمورة، فإنها شعوب مارقة داعمة لدكتاتور! وقف العالم الغربي على أطراف أصابعه دافعًا بكل أسلحته الناعمة حتى يسقط أردوغان، فأسقطهم وأضاع عليهم جهد قرن من التغييب والتغريب والتذويب.

استطاع أردوغان أن يفوز رغم تحالف 6 أحزاب رئيسية قبل أن تنضم إليها 3 أخرى وغيرها من الخلف من أجل إسقاطه، كانت مشاهد الحشود في التجمعات الانتخابية لأردوغان تزيدني طمأنينة

خالجني الخوف، لكن طمأنني الفعل، فالرجل يصدق العهد، ما وعد وعدًا إلا ونفذه، ولعل كارثة الزلزال وتعهداته التي بانت بشائرها بعد أقل من شهرين على وقوعه أقرب دليل، ويحمل الكَلّ من أبناء شعبه وأبناء دينه، وله أياد بيضاء على كثير من الشعوب، وأكرم 5 ملايين من ضيوفه أكثرهم من السوريين، ويعين على نوائب الحق، ويقف إلى جوار المنكوب، بل لقد عرض نفسه للخطر وأصر على المبيت في مناطق الزلزال.

ولعل هذه الانتخابات التي اختار الجميع أن يصفها بالمصيرية صاحبتها مخاطر كثيرة، تخطاها الرجل بفضل من الله، ثم بذكاء وحنكة تحسب له ولفريقه، بدأها الزلزال الذي ضرب البلاد ودمر 11 ولاية، وكان كفيلًا بأن يقضي على مستقبله ومستقبل حزبه، كما قضى زلزال مرمرة عام 1999 على الحكومة الائتلافية المشكلة من حزب اليسار الديمقراطي وحزب الوطن الأم وحزب الحركة القومية، إلا أن الرجل وحزبه تجاوز الأزمة رغم ركوب المعارضة والغرب الموجة لإثارة الشعب ضد الرجل وحزبه، واستطاع الرجل أن يهدئ الشارع المتأثر بالتضخم المفتعل بقرارات كثيرة، يصعب تلخيصها، قرارات رفعت من الأجور وحجمت إلى حد ما جشع التجار، واستطاع الرجل أن يتخطى ضربات إشاعات الإعلام الداخلي الموالي للمعارضة والغرب المساند لها، باتهامات له بالدكتاتورية، أو حرب أهلية، أو التشكيك في صحته وقدرته البدنية.

استطاع أردوغان أن يفوز رغم تحالف 6 أحزاب رئيسية قبل أن تنضم إليها 3 أخرى وغيرها من الخلف من أجل إسقاطه، كانت مشاهد الحشود في التجمعات الانتخابية لأردوغان تزيدني طمأنينة، لا سيما تلك التي كانت في عقر دار المعارضة كإزمير التي شهدت أكبر حشد انتخابي للرئيس منذ دخوله المعترك السياسي، وكانت الحشود في أرزروم ومرسين معقل العلويين، ومرسين المختطفة من حزب الجيد من حساب حزب الحركة القومية، وغيرها من الولايات التي اخترقها الرئيس أردوغان، وأظهر أهلها تأييدًا كبيرًا لم يكن ليؤسس إلا بشعور الجماهير بإخلاص من خرجوا له.

ورغم أن الانتخابات بدأت فعليًا عام 2022 مع التغييرات المهمة التي تم إجراؤها في قانون الانتخابات، الذي خفض عتبة الانتخابات من 10% إلى 7%، فإن المعارضة مع ذلك عرفت حجمها فدخلت في تحالفات، وامتدت آثارها للأيام الأخيرة قبل التصويت، حيث الضرب تحت الحزام بإشاعات وتسريبات أقصت بها المعارضة بعضها بعضا، في مشهد يكشف عن حقيقة هذه المعارضة، ومن ثم يكشف عن مصير هذا البلد الطيب الذي يعول عليه المسلمون في أنحاء العالم كطاقة نور في عتمة ظلام الاحتلال بالوكالة، الذي تعيشه الشعوب العربية والإسلامية منذ أن نالت استقلالها من الأصيل.

فاز أردوغان فغير حسابات الفاعلين في دوائر تأثير سياسته الخارجية المتشعبة في الشرق الأوسط، وأوروبا والبلقان والقوقاز، وعالمها الإسلامي إذ باتت تركيا عاملا مهما في معادلة سياسة هذه الدول

فاز أردوغان، فغير المشهد والحسابات على المستوى الداخلي بوعوده التي اعتاد الأتراك على أن ينفذها، لكن ستغير حسابات معارضيه التي بدأت بالفعل في إعادة النظر في الهوية التركية، وإعادة صياغة خطابها للناخب التركي الذي استطاع حزب العدالة والتنمية أن يعيد تشكيل وعيه بتاريخه وحضارته ويدفعه نحو قومية أكثر التصاقًا بمحيطها العربي والإسلامي، كما استطاع أن يقدم تعريفا غير نمطي لمفهوم العلمانية التي تتمسك بها الدولة في دستورها.

فاز أردوغان، فغير حسابات الفاعلين في دوائر تأثير سياسته الخارجية المتشعبة في الشرق الأوسط، وأوروبا والبلقان والقوقاز، وعالمها الإسلامي إذ باتت تركيا عاملا مهما في معادلة سياسة هذه الدول، حتى مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO)، فإن فوز أردوغان سيجعل أقطاب الحلف يعيدون النظر في صياغة علاقة أكثر توازنًا مع تركيا العدالة التنمية.

شعرت بالثقة في فوز أردوغان حين أكد، أن عودة اللاجئين السوريين لن تكون إلا طوعاً وأن المضيف لا يمكن أن يطرد ضيفه، رغم أن منافسه طرح الكراهية إلى الشارع السياسي وحول الانتخابات رهاناً على الكراهية ، فاختار أكثر من نصف الشعب الود والإخاء والاستقرار على العيش في حقد وبغضاء، أردوغان الذي سطر نهجا جديدا لم تعرفه الدراسات السياسية وعلومها غربية المنشأ، والمتمثلة في إضفاء المبادئ على السياسة والقرارات السيادية، جعل المسلمين والمستضعفين ينظرون إلى تركيا كقلعة وحصن يحتمون به ويتمنون لو أن تبنى مثلها في بلادهم، فآزروا الرجل بالدعاء من كل بقاع الأرض، لعل فوز أردوغان وحزبه أن يكون ناقوسا يوقظ الغافلين وتعود الأمة لمكانها الذي تستحق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.