شعار قسم مدونات

كيف تستخدم الدول وسائل التواصل الاجتماعي في الدبلوماسية العامة؟

تصميم لحسابات مسؤولين غرب على تويتر
تستخدم الحكومات وسائل التواصل الاجتماعي لإدارة تدفق المعلومات والأنباء التي تريد أن يعرفها الجمهور (الجزيرة)

شكل تطور وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في مجال الدبلوماسية العامة والاتصال الإستراتيجي بالجماهير في الدول الأجنبية للتأثير على اتجاهات الرأي العام.

لكن الكثير من الدول لم تتمكن من تطوير نظرتها للدبلوماسية العامة كوسيلة لبناء علاقات طويلة المدي مع الشعوب، وكسب العقول والقلوب، ولذلك فقدت الكثير من الفرص التي توفرها ثورة الاتصال، في الوقت الذي تمكنت فيه دول أخرى من تطوير إستراتيجياتها لبناء مكانتها العالمية.

إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبناء القوة الناعمة يشكل تحديا لكل دول العالم، التي أصبحت تحتاج لأفكار جديدة لإدارة الصراع في بيئة اتصالية جديدة، تغيرت فيها موازين القوى، وتطورت أساليب التأثير على الجماهير لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، من دون استخدام العصا والجزرة.

العمل الدبلوماسي من أهم المجالات التي تحتاج الدول لتطويرها، فلم تعد الحكومة تحتاج فقط للاتصال بحكومات الدول الأجنبية، وبناء العلاقات معها، لكن الدول أصبحت تحتاج للاتصال بالجماهير والتأثير على اتجاهات الرأي لعام

بناء نظريات جديدة

وإذا كان تطور وسائل التواصل الاجتماعي شكل تحديا للدول، فإنه شكل أيضا تحديات متنوعة لعلماء السياسة والاتصال والإعلام والاجتماع، فالعالم أصبح يحتاج لنظريات جديدة يمكن أن تشكل أساسا لصناعة جديدة للمضمون، ولثقافة إعلامية واتصالية جديدة، وتأهيل الكوادر التي يمكن أن تستخدم قدراتها في إدارة الصراع باستغلال ما يتيحه القرن الـ 21 من فرص وإمكانيات.

إعلان

والعمل الدبلوماسي من أهم المجالات التي تحتاج الدول لتطويرها، فلم تعد الحكومة تحتاج فقط للاتصال بحكومات الدول الأجنبية، وبناء العلاقات معها، لكن الدول أصبحت تحتاج للاتصال بالجماهير والتأثير على اتجاهات الرأي لعام، وغرس صورة إيجابية للدولة في أذهان الأفراد الذين يمكن أن يقوموا بدور مهم في تحقيق أهداف الدولة من دون إجبار أو إكراه.

اكتشاف اتجاهات الرأي العام

قام الدبلوماسيون التقليديون خلال القرنين السابقين بمهمة جمع المعلومات عن اتجاهات الجماهير، لمساعدة دولتهم على بناء علاقتها مع النظم الحاكمة في الدول الأخرى، ومعرفة مدى استقرار وقوة تلك النظم، لكن وفرت وسائل التواصل الاجتماعي خلال العقد الماضي إمكانيات جديدة لتحليل اتجاهات الرأي العام.

لذلك كان من أهم الأسس التي قامت عليها الإستراتيجية الأميركية اكتشاف الخطاب السائد في الدول المختلفة عن طريق تحليل المضمون الذي يتم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لفهم اتجاهات الجماهير.

وباستخدام هذه المعرفة طورت أميركا عملية اتصالها بالجماهير في الدول الأجنبية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي منذ عهد أوباما الذي استخدمت إدارته هذه الوسائل بكفاءة لبناء صورة إيجابية للولايات المتحدة.

ونتيجة للدراسات التي أنتجتها الجامعات الأميركية، تمكنت إدارة أوباما من تطوير الإستراتيجية الأميركية للدبلوماسية العامة، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في القيام بحملات تستهدف جذب انتباه الجماهير، والتأثير عليها لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.

تعتبر التجربة الأميركية نموذجا لعملية التكامل بين الاتصال الإستراتيجي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والدبلوماسية العامة

في الفضاء العالمي

شكل الإنترنت فضاء عالميا يتم فيه بناء العلاقات بين المجتمعات والشعوب، وهذه العلاقات تتأثر بالمضمون الذي يتم تبادله بين الجماهير، لذلك تم الربط بين الدبلوماسية العامة ووسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت وسيلة مهمة لتحقيق أهداف الدولة في التأثير على اتجاهات الرأي العام في الدول الأجنبية.

إعلان

وتعتبر التجربة الأميركية نموذجا لعملية التكامل بين الاتصال الإستراتيجي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والدبلوماسية العامة، فبناء مكانة الدولة في الفضاء العالمي مقدمة لبناء مكانتها السياسية والثقافية وقوتها الناعمة.

لذلك استخدمت الحكومة الأميركية وسائل التواصل الاجتماعي لإدارة تدفق المعلومات والأنباء التي تريد أن يعرفها الجمهور، التي توضح موقفها من الأحداث.

الوصول لجمهور أكبر

رغم سيطرة الولايات المتحدة على النظام الإعلامي العالمي، واستخدامه في التحكم في تدفق الأنباء عبر العالم، فإن الدراسات أوضحت أن أميركا وجدت في وسائل التواصل الاجتماعي إمكانيات للوصول إلى جمهور أكبر، والتأثير عليه بنشر معلومات بلغات مختلفة.

لذلك طورت أميركا إستراتيجيتها لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الدبلوماسية العامة، وقامت بتوظيف ثروتها البشرية للتأثير على الجماهير، وبناء صورة جديدة بعد أن أدركت تزايد الاتجاهات المعادية لها في الكثير من الدول بعد عدوانها على أفغانستان والعراق.

يعتبر تويتر من أهم وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها أعضاء الكونغرس في القيام بوظيفة الدبلوماسية العامة

تجربة الكونغرس في الدبلوماسية العامة

تعتبر تجربة الكونغرس الأميركي من أهم التجارب التي توضح أهمية استخدام الدولة لثروتها البشرية في التأثير على الجماهير، والقيام بوظيفة الدبلوماسية العامة، حيث وفرت وسائل التواصل الاجتماعي لأعضاء البرلمان امكانيات الاتصال بالجماهير، والحوار مع الكثير من الأفراد عبر حساباتهم، ونشر مضمون يمكن أن يتحول إلى أخبار تنشرها وسائل الإعلام.

لذلك يستخدم 75% من أعضاء الكونغرس حساباتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي للاتصال بالجمهور في الدول الأجنبية، والقيام بأنشطة الدبلوماسية العامة، ففتح ذلك مجالا جديدا لتطوير العلاقة بين الدبلوماسية العامة والدبلوماسية البرلمانية، وتطوير وظيفة عضو البرلمان باعتباره يمثل الشعب ويعبر عنه، لذلك فإن تأثيره على الجمهور يكون أكبر.

إعلان

ويعتبر تويتر من أهم وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها أعضاء الكونغرس في القيام بوظيفة الدبلوماسية العامة، حيث يتم مشاركة التغريدات التي ينشرها أعضاء مجلسي النواب والشيوخ عبر الكثير من الحسابات، مما يوفر لها فرصا لانتشار واسع.

 

تطوير الوظيفة الدبلوماسية للصحفيين

لم يقتصر تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تطوير وظيفة البرلمانيين في مجال الدبلوماسية العامة، لكن تلك الوسائل فرضت على الصحفيين إعادة التفكير في الدور المجتمعي الذي يقومون به، واتصالهم بالجماهير، ونشر المضمون الذي يقومون بإنتاجه.

لقد أصبح الصحفيون يعملون في مجال عام عالمي، يمكن فيه أن يشاركوا في مناقشات مع رؤساء الدول وصناع القرارات والمسؤولين في الدول المختلفة، ويمكن أن يمثلوا صوت الشعوب، ويعبروا عنها خلال تلك المناقشات التي تتم عبر الإنترنت.

لم يعد الصحفيون يحتاجون لانتظار حضور المؤتمرات الصحفية ليطرح كل منهم سؤالا على المسؤول الذي يمكن أن يجيب بكلمات قليلة أو يتجاهل السؤال، حيث فتحت الإنترنت مجالا واسعا لمشاركة الصحفيين مع صناع القرارات في مناقشات يمكن أن تتحول إلى مضمون يجذب الجماهير.

هذا يعني أن المجال العام أصبح يتسع لقيام الصحفيين بوظيفة الدبلوماسية العامة، والتأثير على مواقف صناع القرار، ونقل وجهات نظر الشعوب، والوفاء بحق جماهيرهم في المعرفة، والقيام بدور فاعل في بناء قوة الدولة الناعمة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

ويفرض ذلك على الجامعات أن تقوم بتطوير برامج تأهيل الإعلاميين للقيام بوظائف متعددة، من أهمها الدبلوماسية العامة.

غيرت وسائل التواصل الاجتماعي طبيعة الدبلوماسية العامة، لتجعلها دبلوماسية حوارية تقوم على المشاركة

الدبلوماسية العامة اتصال في اتجاهين

فرض تطور وسائل التواصل الاجتماعي على العلماء تغيير مفاهيم ونظريات الدبلوماسية العامة، حيث أصبحت تقوم على الاتصال في اتجاهين، وهذا يعني ضرورة تأهيل صناع القرار في الدول والدبلوماسيين لإدارة المناقشة الحرة مع الجمهور.

إعلان

لقد شكلت وسائل التواصل الاجتماعي قنوات جديدة تستخدم فيها الدبلوماسية العامة، بأساليب جديدة تقوم على الحوار والمناقشة مع الكثير من المشاركين.

لذلك أصبحت الدبلوماسية العامة حوارية تعاونية تقوم على المشاركة وتبادل الآراء والتنوع في وجهات النظر، ولم تعد تقوم على الاتصال في اتجاه واحد تتدفق فيه المعلومات من أعلي إلى أسفل، ومن الذين يتحكمون في الإعلام الدولي إلى شعوب ضعيفة لا تملك فرصة للدفاع عن نفسها.

لقد غيرت وسائل التواصل الاجتماعي طبيعة الدبلوماسية العامة، لتجعلها دبلوماسية حوارية تقوم على المشاركة.

جزء من حوار عالمي

لذلك يقول جوديث مكهيل -وكيل وزارة الخارجية الأميركية في فترة حكم الرئيس باراك أوباما- إن الدبلوماسية العامة تحتاج أن تكون جزءا من حوار عالمي.

هذا الحوار العالمي توفر له وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الفرص، لكن أميركا ما زالت تعمل للتحكم في هذا الحوار، وتمنع إمكانيات أن يتحول هذا الحوار إلى فرصة لمقاومة الاستعمار الجديد والسيطرة الأميركية على النظام الإعلامي الدولي.

إن أميركا تدرك جيدا التغيرات العالمية، وأن وعي الشعوب يهدد سيطرتها، وأن الحوار بين الشعوب عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يوفر لها المعرفة بالتجارب التاريخية، وتزيد قدرتها على مقاومة الاستعمار القديم والجديد.

لذلك يمكن أن يساهم العلماء في دول الجنوب في تطوير نظرية جديدة للدبلوماسية العامة تقوم على الحوار وتبادل المعرفة بين شعوب الدول الضعيفة التي تكافح للتحرر من الاستبداد، والنهب الاستعماري الرأسمالي لثرواتها.

من أهم الأسس التي يمكن أن نستخدمها في تطوير الدبلوماسية العامة الجديدة أن خصائص الجمهور تغيرت، حيث كانت الدول تتعامل مع الجمهور باعتباره مستقبلا سلبيا للرسائل، لكن ثورة الاتصال أدت إلى تثوير الاتصال، فأصبح الجمهور مشاركا نشطا

دبلوماسية عامة جديدة

يمكن أن نلاحظ بوضوح أن السنوات الماضية شهدت اتفاقا بين علماء وممارسي الدبلوماسية العامة على أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت إمكانيات التفاعل بين الجمهور في دول مختلفة حول الكثير من القضايا، فهذه الشبكات أدت إلى نشأة دبلوماسية عامة جديدة تقوم على المشاركة والحوار وتعدد المصادر وسهولة الوصول إلى المعلومات.

إعلان

من أهم سمات هذه الدبلوماسية الجديدة أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت منصات اتصالية للتفاعل مع الجمهور في الدول الأجنبية، وهذا التفاعل يمكن أن يغير موازين القوة الناعمة، ويفتح المجال أمام شعوب جديدة لتقديم نفسها للعالم، وبناء صورتها، وزيادة فرص التعاون والمشاركة في تحقيق أهداف طويلة المدى، وتحدي السيطرة الأميركية.

الدبلوماسية العامة وخصائص الجمهور الجديد

من أهم الأسس التي يمكن أن نستخدمها في تطوير الدبلوماسية العامة الجديدة أن خصائص الجمهور تغيرت، حيث كانت الدول تتعامل مع الجمهور باعتباره مستقبلا سلبيا للرسائل، لكن ثورة الاتصال أدت إلى تثوير الاتصال، فأصبح الجمهور مشاركا نشطا، يستطيع أن يتفاعل مع الرسائل، وينتج رسائل جديدة، ويقوم بتبادل المضمون والمعرفة.

ولأن وسائل التواصل الاجتماعي غيرت مفهوم الجمهور، وشجعت الأفراد على التفاعل والمشاركة والحوار، وإنتاج المضمون، فإنها فتحت المجال لإنتاج نظريات جديدة لبناء القوة الناعمة والمكانة العالمية والصورة الذهنية باستخدام دبلوماسية عامة جديدة تقوم على الحوار والمشاركة.

فهل يفتح ذلك المجال العام العالمي لحضارات جديدة تقدم معرفة تساعد الإنسان على أن يكتشف معني جديدا لحياته، ويقوم بوظيفة حضارية، من المؤكد أن القرن الـ 21 يحتاج لدبلوماسية عامة جديدة، ولكن يجب أن يقوم العلماء بدورهم في تطويرها، وصياغة نظريات جديدة يتم على أساسها تأهيل كوادر جديدة تجيد المشاركة والحوار والتفاعل وانتاج المضمون.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان