لا شك أن الأحداث الدامية والاقتتال الدائر منذ أيام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قد مثلت صدمة كبيرة لكل عربي ومسلم، ولا سيما أنها أتت في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
وبالنسبة لمصر وللمصريين فإن الصدمة مضاعفة، وذلك لما بين مصر والسودان من وشائج قربى وعلاقات تاريخية خاصة، كما أن لمصر مصلحة كبيرة في استقرار السودان، فأمن هذا البلد هو جزء أصيل من أمن مصر القومي.
بيد أنني لست أبغي في هذا المقال الحديث عن أسباب هذا الصراع ولا عن سيناريوهات الحل، فهذا أمر تناوله وسيتناوله بلا شك الكثير من الكتاب بالشرح والتحليل في الأيام القادمة، لكن ما أرغب في الإشارة إليه هنا هو مدى شرعية تصوير وعرض مشاهد لجنود أسرى من منظور القانون الدولي، وذلك على خلفية هذا المشهد القصير الذي عرضته قوات الدعم السريع التابعة لمحمد حمدان دقلو الشهير باسم "حميدتي" لعدد من الجنود التابعين للجيش السوداني وبضعة جنود مصريين يتبعون على ما يبدو لتلك القوات المصرية التي ذهبت إلى السودان في إطار اتفاق بين البلدين الشقيقين بخصوص تدريبات ومناورات مشتركة.
إن الصراع المسلح الحالي في السودان وإن كان ينبغي تصنيفه بالنظر إلى المعطيات الحالية باعتباره صراعا داخليا إلا أن القانون الدولي الإنساني يتضمن مجموعة من القواعد الواجبة التطبيق في أي صراع مسلح
وبداية ينبغي القول إن قواعد القانون الدولي الإنساني التي تطبق أثناء الحروب والصراعات المسلحة هي القواعد الواجبة التطبيق في هذا الموقف، وذلك لأن الأعمال الحربية التي اندلعت بين الجيش السوداني وما تسمى قوات الدعم السريع قد بلغت من الكثافة والحدة ما يجعل معهما مسألة توافر شروط تطبيق هذه القواعد أمرا غير مشكوك فيه.
وهذه القواعد تلزم ليس فقط قوات الجيش السوداني، بل أيضا قوات الدعم السريع، سواء تم النظر إليها بصفتها قوات شبه نظامية تم تأسيسها على يد الحكومة السودانية لتكون بمثابة ذراع عسكرية لها تساعد في بسط الأمن وقمع الحركات المسلحة المناوئة لها، أو تم النظر إليها باعتبارها مليشيات متمردة كما يسميها الآن الجيش السوداني.
إن الصراع المسلح الحالي في السودان وإن كان ينبغي تصنيفه بالنظر إلى المعطيات الحالية باعتباره صراعا داخليا إلا أن القانون الدولي الإنساني يتضمن مجموعة من القواعد الواجبة التطبيق في أي صراع مسلح وبغض النظر عن صفته سواء كان دوليا، أي تشارك فيه جيوش أكثر من دولة، أو داخليا، أي يدور بين عدة أطراف مسلحة داخل الدولة مثلما هو الحال في الصراع الحالي في السودان.
وتحرّم قواعد القانون الدولي الإنساني من بين أمور أخرى تعمد الهجوم على حياة المدنيين والأشخاص غير المشاركين بشكل مباشر في العمليات القتالية، كما تحرّم التعذيب وأخذ الرهائن والمساس بالكرامة الإنسانية.
وتتضمن المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 مجموعة من القواعد التي تمثل الحد الأدنى من القواعد الواجبة التطبيق في الصراعات المسلحة، سواء أخذ الصراع صفة الصراع الدولي أو الداخلي.
وتنص المادة صراحة على وجوب تطبيقها في أي صراع داخلي مسلح، وهي تلزم جميع الأطراف المتحاربة بأن تعامل بشكل إنساني وبدون تمييز جميع الأشخاص الذين لا يشاركون بشكل مباشر في العمليات العدائية، بمن في ذلك جنود العدو الذين لم يعد بمقدورهم المشاركة بسبب الإصابة أو المرض أو الوقوع في الأسر أو لأي أسباب أخرى.
ولهذا الغرض فإن هذه المادة تحرّم من بين أمور أخرى تعمد الهجوم على حياة المدنيين والأشخاص غير المشاركين في العمليات القتالية، كما تحرّم التعذيب وأخذ الرهائن والمساس بالكرامة الإنسانية، وتحديدا من خلال المعاملة المهينة.
وما يهمنا هنا هو تلك القواعد التي تلزم الأطراف المتحاربة بأن تعامل أسرى الحرب بما يحفظ لهم كرامتهم وبشكل غير مهين.
قواعد القانون الدولي الإنساني تحمي الأسرى من التعرض لأعمال العنف أو التخويف أو الإهانة أو لفضول العامة من خلال عرضهم مثلا أمام الكاميرات
وإذا كانت قواعد القانون الدولي الإنساني لا تتضمن نصا صريحا يبيح أو يحرّم عرض مشاهد تصور الأسرى إلا أن عرض صور أو مشاهد لهم قد يعد مخالفا لقواعد القانون الدولي الإنساني إذا تم بطريقة يمكن من خلالها التعرف على الأسير وكانت طريقة العرض من شأنها مثلا الإساءة إلى سمعة الجندي الأسير أو التسبب في أذى نفسي له بين أهله أو زملائه لأنه وقع في الأسر.
إن قواعد القانون الدولي الإنساني تحمي الأسرى من التعرض لأعمال العنف أو التخويف أو الإهانة أو لفضول العامة من خلال عرضهم مثلا أمام الكاميرات بشكل يسمح بالتعرف على وجوههم أو هوياتهم.
إن مخالفة تلك القواعد تعد انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وتعرض مرتكبيها للملاحقة القانونية، سواء أكان ذلك أمام المحاكم الوطنية أو الدولية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.