من رحمة الله بعباده أن ربط عباداتهم بصلات اجتماعية وجعل أثر هذه العبادة تمتد إلى المجتمع ليشعر الجميع أنهم أسرة إنسانية واحدة.
والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد أن كل عبادة من العبادات ربطت بأثر أخلاقي واجتماعي وإنساني راق يؤكد أن هذا الإسلام العظيم هو الدين الحق، وأنه كلمة الله الخاتمة، فالصلاة مثلا نجد فيها قوله تعالى {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} (العنكبوت: 45).
نصت الآية الكريمة على أن أثر الصلاة صلة اجتماعية واضحة تظهر في النهي عن الفحشاء والمنكر، وبهذا التعبير العام "الفحشاء" و"المنكر" ليشمل كل فحشاء وكل منكر.
أما الصيام فبيّن أن العبرة والأثر هي التقوى بكل ما تحمله الكلمة من آثار اجتماعية وإنسانية في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: 183).
والزكاة كما ورد في قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم، ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم} (التوبة: 103-104).
وهكذا كل عبادة يبدو فيها هذا الترابط بين العبادة المحضة وأثرها الاجتماعي والإنساني، وفي هذا السياق تأتي زكاة الفطر التي نصت الأحاديث النبوية على أنها طهرة للصائم وطعمة للفقير كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس قال "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" (سنن أبي داود، تحقيق الأرناؤوط: 3/ 54).
وفي حديث ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر، قال فيه في ما قرأه على مالك "زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر أو صاع من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين" (سنن أبي داود، تحقيق الأرناؤوط: 3/ 55).
صدقة الفطر تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر، لأنها قربة تتعلق بالعيد، فلا يتقدم وقتها على يومه كالصلاة والأضحية
وقت إخراجها
وقتها ما بين طلوع الشمس إلى أن تزول، والأفضل أن يؤخرها حتى ترتفع الشمس قيد رمح، والسنة أن يؤخر صلاة الفطر ويعجل الأضحى لما روى عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب أن يقدم الأضحى ويؤخر الفطر، ولأن الأفضل أن يخرج صدقة الفطر قبل الصلاة، فإذا أخر الصلاة اتبع الوقت لإخراج صدقة الفطر، والسنة أن يضحي بعد صلاة الإمام، فإذا عجل بادر إلى الأضحية (المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي: 1/222).
تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر، لأنها قربة تتعلق بالعيد، فلا يتقدم وقتها على يومه كالصلاة والأضحية، (وقال) في الجديد: تجب بغروب الشمس من ليلة الفطر من رمضان لما روى ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "فرض صدقة الفطر من رمضان"، والفطر من رمضان لا يكون إلا بغروب الشمس من ليلة العيد، ولأن الفطرة جعلت طهرة للصائم بدليل ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "فرض صدقة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين"، وانقضاء الصوم بغروب الشمس. (المجموع شرح المهذب: 6/125).
الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التمر والشعير، ولا أرى أبا سعيد الخدري عزا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فرضه، إنما عزا أنهم كانوا يخرجونه
ممَ تُخرج؟
قال الشافعي "ولا يخرج من الحنطة في صدقة الفطر إلا صاع"، وقال "والثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التمر والشعير، ولا أرى أبا سعيد الخدري عزا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فرضه، إنما عزا أنهم كانوا يخرجونه".
وقال الشافعي "وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن زكاة الفطر مما يقتات الرجل ومما فيه زكاة، قال: وأي قوت كان الأغلب على رجل أدى منه زكاة الفطر، وإن وجد من يسلفه، فإذا أفلس ليس عليه زكاة الفطر، فلو أيسر من يومه أو من بعده لم يجب عليه إخراجها من وقتها، لأن وقتها كان وليست عليه، لو أخرجها كان أحب إلي له".
تقسم زكاة الفطر على من تقسم عليه زكاة المال لا يجزئ فيها غير ذلك
كيف تقسم زكاة الفطر؟
قال الشافعي "وتقسم زكاة الفطر على من تقسم عليه زكاة المال لا يجزئ فيها غير ذلك، فإن تولاها رجل قسمها على 6 أسهم، لأن سهم العاملين وسهم المؤلفة ساقطان، قال: ويسقط سهم العاملين، لأنه تولاها بنفسه، فليس له أن يأخذ عليها أجرا ويقسمها على الفقراء والمساكين وفي الرقاب وهم المكاتبون والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فأي صنف من هؤلاء لم يجده فعليه ضمان حقه منها".
قال الشافعي: وأختار قسم زكاة الفطر بنفسي على طرحها عند من تجمع عنده
هل يجوز إعطاء ذوي الأرحام منها؟
قال الشافعي "ويعطي الرجل زكاة ماله ذوي رحمه إذا كانوا من أهلها، وأقربهم به أحبهم إلي أن يعطيه إياها إذا كان ممن لا تلزمه نفقته بكل حال، لو أنفق عليه متطوعا أعطاه منها، لأنه متطوع بنفقته لا أنها لازمة له" (الأم للشافعي: 2/74).
وقال أيضا "وأختار قسم زكاة الفطر بنفسي على طرحها عند من تجمع عنده، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الله بن المؤمل قال: سمعت ابن أبي مليكة ورجل يقول له: إن عطاء أمرني أن أطرح زكاة الفطر في المسجد فقال ابن أبي مليكة: أفتاك العلج بغير رأيه؟ اقسمها، فإنما يعطيها ابن هشام أحراسه ومن شاء، أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا أنس بن عياض عن أسامة بن زيد الليثي أنه سأل سالم بن عبد الله عن الزكاة فقال: أعطها أنت، فقلت: ألم يكن ابن عمر يقول: ادفعها إلى السلطان؟ قال: بلى، ولكني لا أرى أن تدفعها إلى السلطان، أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر التي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة". (الأم للشافعي: 2/74).
قال الشافعي: وليس على من لا عرض له ولا نقد ولا يجد قوت يومه أن يستسلف زكاة
حكم من أعسر بزكاة الفطر
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: ومن أهلّ عليه شوال وهو معسر بزكاة الفطر ثم أيسر من يوم الفطر أو بعده فليس عليه زكاة الفطر، وأحب إلي أن يؤدي زكاة الفطر متى أيسر في شهرها أو غيره، قال: وإنما قلت وقت زكاة الفطر هلال شوال، لأنه خروج الصوم ودخول أول شهور الفطر كما لو كان لرجل على رجل حق في انسلاخ شهر رمضان حل إذا رأى هلال شوال لا إذا طلع الفجر من ليلة هلال شوال، لو جاز هذا في كل يوم من شوال بعد يوم وعشر وأكثر ما لم ينسلخ شوال".
قال الشافعي "ولا بأس أن يؤدي زكاة الفطر ويأخذها إذا كان محتاجا وغيرها من الصدقات المفروضات وغيرها، وكل مسلم في الزكاة سواء".
وقال أيضا "وليس على من لا عرض له ولا نقد ولا يجد قوت يومه أن يستسلف زكاة".
قال مالك: يجوز إخراج الورق عن الذهب، والذهب عن الورق لا غير
دفع القيمة وجوازها
مسألة دفع القيمة مسألة مختلف فيها بين الفقهاء قديما وحديثا، قال الشافعي -رضي الله عنه- "ولا يجزئه ذهب عن ورق، ولا ورق عن ذهب، لأنه غير ما وجب عليه".
قال الماوردي "وهذا كما قال: إخراج القيم في الزكوات لا يجوز، وكذا في الكفارات حتى يخرج المنصوص عليه بدلا أو مبدلا".
وقال أبو حنيفة "يجوز إخراج القيم في الزكوات والكفارات إلا أن يكون عتقا، فكل مال جاز أن يكون متمولا إلا أن يكون سكنى دار أو من جنس منصوص عليه، كإخراج نصف صاع تمر بدلا عن صاع من زبيب"، واختلف أصحابه في إخراج القيمة: هل هي الواجب أبو بدل عن الواجب؟
وقال مالك "يجوز إخراج الورق عن الذهب، والذهب عن الورق لا غير، واستدلوا بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في صدقة الفطر "أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم"، والإغناء قد يكون بدفع القيمة كما يكون بدفع الأصل (الأم للشافعي: 2/76).
تلك بعض المسائل المتعلقة بزكاة الفطر أسال الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.