شعار قسم مدونات

المنشد أبو مازن كما عرفته (1)

المنشد السوري أبو مازن (مواقع التواصل الاجتماعي)

كان الفتى طفلا صغيرا لم يبلغ العاشرة بعد، يسمع صوت هذا المغرد يملأ جنبات بيت أسرته، بعض إخوته الكبار يحفظون كل كلمة في الأناشيد بلحنها من غير خطأ، تعلق بالحالة والجمال معا مع معايشة للواقع زادت ما يسمعه وضوحا وعمقا وتأثيرا.

أحب الفتى ذلك الصوت وصاحبه، ثم أصبح يردد تلك الأناشيد بصوته بين الناس، وفي داخله "أنى له أن يبلغ مبلغ صاحبها"، فصاحبها لا ينفصل عنها حقيقة ومعايشة وصدقا، فضلا عن طبقات صوته وإتقان فنه، حفظ الفتى كل ما سمع، فجمع من المعاني والقيم والمشاعر والصور والطموح والآمال ما لا يستطيع أن يحصره في كلمات.

وبعد عشرين سنة يعلم الفتى -وقد صار رجلا وأبا- أن مثله الأعلى في النشيد ورفيق الروح الذي لم يره من قبل يعلم أنه حي يرزق على خلاف ما كان يظنه كثيرون، والأعجب من هذا أنه يعيش في البلد ذاته منذ سنوات طويلة ولا يعرف ذلك أحد، إنه في مصر، أبو مازن في مصر.

بدأنا في استئناف العمل الفني من جديد، فاختار أن تكون معظم كلماته من ديوان الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله، وكانت لحظات عجيبة كأن مفاجآتها لا تنتهي

كان ذلك في العام 2001، اتصلت به ورحب بلقائي، وبدأت زيارات عديدة، وجلسات ماتعة أتعرف من خلالها على تلك الشخصية الفريدة، كنت أتلمس المعاني من صورة ذهنية رسمتها في خيالي عنه، فإذا هو مثالها وحقيقتها، الخلق الأصيل الراقي، العمل الدؤوب، القدوة العملية، الشخصية الهادئة الواثقة مع تواضع تذوب حياء معه.

بدأنا في استئناف العمل الفني من جديد، فاختار أن تكون معظم كلماته من ديوان الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله، وكانت لحظات عجيبة كأن مفاجآتها لا تنتهي، فهذا الديوان حوى أجمل ما أنشد أبو مازن: ملحمة الدعوة، اليوم عيد، مصعب بن عمير، حبيبتي بلادي، وغيرها.

توافقنا على عدة قصائد وبدأ في تجهيزها، وبالتعاون مع أخي وصديقي سميح زريقات في الأردن أخذنا خطوة بالسفر إلى عمّان، وكان من جميل فضل الله علي أن عشت أياما في غرفة واحدة مع أستاذي أبي مازن، اقتربت من ذلك الكبير أكثر، شهدت أخلاقه ورقي معاملاته، صدق مشاعره نحو دينه ودعوته وأمته، حكى لي عن شيخه وأستاذه في سوريا، الأستاذ جودت سعيد رحمه الله، فما وجدت الرجل إلا نموذجا مثل أستاذه.

رأيته مع العمال في مصنعه كأنه واحد منهم، رأيته إماما في مسجده يحبه كل من حوله، قدوة عملية، منشرح الصدر، باسم الوجه

لم أشعر لحظة منذ عرفته أني أتعامل مع فنان يسعى إلى شيء مما يرغب فيه كثيرون، بل مع داعية وظف كل طاقته لخدمة دينه وما يؤمن به، لأثر يبقى في قلوب الناس، وتغيير يلامس القلوب والأرواح، ويحرك الهمم والطاقات، رأيته مع العمال في مصنعه كأنه واحد منهم، رأيته إماما في مسجده يحبه كل من حوله، قدوة عملية، منشرح الصدر، باسم الوجه، يؤثر الجد من غير عبوس ولا تشدد، محب لأهله، شديد البر بأمه، ويبقى أثره في الفن والنشيد -لغايات التربية والدعوة- عميقا في نفوس محبيه من شرق العالم الإسلامي إلى غربه، رحم الله أبا مازن رضوان خليل عنان، وجمعنا في مستقر رحمته، وعوّض الأمة عن فقده.

وغدا يجيب لنا المجيب دعاءنا      ودموعَنا وصلاتَنا ورجاءَنا

وغدا نرى من يمكرون بديننا        يستنجدون من اللهيب بغيثنا

وغدا سنضحك ملء كل قلوبنا        في دار خلد زُيّنت بحبيبنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.