شعار قسم مدونات

المجلات العربية في الهند.. مجلة النهضة نموذجا

السيد عبد الرحمان الأزهري علامة مليبار وأديب دعوتها (مواقع التواصل الاجتماعي)

للهند تاريخ عظيم وطويل مع اللغة العربية، لقد عانقت الهند لغة الضاد بكل إجلال واحترام لتشهد ميلاد كتب ضخمة ومكتبات فخمة ومعاهد بحوث وكليات وجامعات عربية ومجلات تتغنّى بمجد الضاد.

ولقد كانت اللغة العربية همزة وصل لا تنقطع بين الشعب الهندي والعربي منذ القدم، فمما يدل على نفوذ اللغة العربية على اللغات الهندية ما ترى من الألفاظ المتداولة والكلمات والتراكيب بل الخطوط والرسوم واللهجات التي نشأت من رحم لغة الجلالة، فلغة عربي مالايالم التي تبنّت خطوط اللغة العربية، والألفاظ المليبارية معا كما نسجت عربي تامل من العربية والتاملية، فكل هذه النقلات اللغوية شواهد على مدى عمق اللغة العربية في الثقافة الهندية.

وقد شهدت الهند ميلاد مجلات عربية، لكن أكثرها توقف وتلاشى للظروف القاسية التي اعترته على مدى الأيام، إلا أن بعضا منها قام على سيقانه يقاوم ضروب الدهر، ويصمد دون الرياح الهوجاء، ويستمر في مسيرته مع لغة الجلالة، فمن أبرزها مجلة البعث الإسلامي التي أصدرها الشيخ أبو الحسن علي الندوي في الوقت الذي كان فيه البعث الاشتراكي يزحف نحو الحواضر الإسلامية ويغزو قلوب الشباب العرب، ففكّر الشيخ في بعث روح إسلامي خالص يمنح النشء والشباب عزما وإرادة.

كانت الكلية تعتمد فقط على التبرعات التي يقدمها أصحاب الخير، فكانت مهمة إصدار المجلة وسط هذه الصيحات أمرا عسيرا تماما ولولا تلك الجهود الجبارة والأيادي العاملة والأفكار النابضة التي عملت وراء تحقيق هذا الحلم من قبل الطلبة والأساتذة لظلت فكرة المجلة موؤودة.

أما في القرن الـ21، في القرن الذي ازدادت فيه التفاعلات الحضارية الهندية مع العالم العربي، صدرت مجلة النهضة العربية في بيئة غير ممهدة، فكانت كلية سبيل الهداية الإسلامية التي كانت مقر مجلة النهضة والتي هي من أبرز الكليات التابعة لجامعة دار الهدى الإسلامية منشغلة بأمورها التربوية والتعليمية، كافلة لمئات الطلبة والأستاذة سكنا وتغذية وتسهيلا، فالمغامرة بإصدار مجلة تكلفها آلاف الروبيات الهندية أمر لا يرحب به تماما، لأن الكلية كعادة المعاهد الدينية في مليبار كانت توفر السكن والغذاء بالمجان لـ200 طالب على مدار 10 سنوات.

وقتئذ كانت الكلية تعتمد فقط على التبرعات التي يقدمها إليها أصحاب الخير، فكانت مهمة إصدار المجلة وسط هذه الصيحات أمرا عسيرا تماما ولولا تلك الجهود الجبارة والأيادي العاملة والأفكار النابضة التي عملت وراء تحقيق هذا الحلم من قبل الطلبة والأساتذة لظلت فكرة المجلة موؤودة، لكن شاء الله أن تلد هذه المجلة، أن تحقق هذه المبادرة،  فكانت الولادة أجمل وأحلى، حيث هبّت مليبار العرب لتتلقى هذه المجلة بكل حب واحترام، وفي أغسطس/آب عام 2006 كان تدشين المجلة في حفل علمي كبير عقد في مدينة كوتاكل بمديرية مالابورام، وحضر الحفل عدد من العلماء والسادة والباحثين، وقد اختزلت المجلة همة عشرات من الطلبة القادرين على افتعال جو عربي في بلد عجمي.

ومرت المجلة بمراحل شتى، كان زادها الوحيد هو الهمة العالية والإرادة القوية التي كمنت في قلوب الطلبة، لم يمروا أصلا بالتجربة الإعلامية ولم يتدربوا على فنون الكتابة الصحفية ولا المنهج العلمي لإعداد المقالات والبحوث، لكنهم كانوا في غاية من الثقة، لأن منهج الكلية أكسب فيهم نبض الإبداع وروح الإنشاء، وعلى تلك الخطوات الصغيرة خاضوا هذه التجربة المهمة، فجاء العدد الأول انعكاسا لهذه الصور المضيئة لتعبر النهضة أفكار القرّاء ولتدخل إليهم من أوسع الأبواب.

تميزت المجلة بحواراتها الرائعة التي أجراها المحررون لا سيما الدكتور زين العابدين الهدوي والدكتور منصور الهدوي مع قيادات عدة من مجالات مختلفة.

وتبنّت في رحلتها شعار "إسلامية دعوية فكرية"، وسجلت في صفحاتها قضايا الأمة الساخنة، وكانت القدس الشريف عنوان غلافها، ورحبت بكل المبدعين من أنحاء العالم إلى جانب ما كانت تهتم به من تطوير مهارات الطلبة المبتدئين في اللغة العربية لا سيما طلبة الكلية والآخرين من شتى الجامعات الهندية.

وكانت في المجلة أعمدة خاصة تتناول شتى الموضوعات كما كانت فيها واحة النهضة التي تنشر فيها الإسهامات المنتخبة من إبداعات الأطفال المبدعين، وقد لاقت المجلة قبولا واسعا لدى القراء والباحثين وخطفت أضواء الأوساط الثقافية المليبارية، فمما صدمت به الجميع أن المجلة استمرت بقوة في مسيرتها ولم تتوقف رغم التحديات التي حاصرتها بينما كانت المجلات العربية المدعومة من قبل جهات غنية تتعثر وتتدحرج في مهب الرياح، وهذا الجهد الكبير الذي قام به الطلبة أبهر الجميع لتتجمع حولهم الأنظار والأسماع وليطير صيت الكلية بكونها حاضنة اللغة العربية.

وحضور مجلة النهضة في الكلية أتاح مساحة شاسعة للطلبة للتعرف على اللغة العربية، وللخوض في غمار الضاد بآلياتهم ومهاراتهم لتنشأ هناك منافسة جميلة من أجل الضاد.

في سنة 2014 عقدت المجلة ندوة دولية تحت عنوان الأدب العربي الصوفي الحديث في الهند والعالم العربي الذي شارك منه نخبة من الباحثين والأكاديميين، وكانت الندوة علامة فارقة في جبهة المجلة لتظهر من خلالها إرادتها وصمودها.

وتميزت المجلة بحواراتها الرائعة التي أجراها المحررون لا سيما الدكتور زين العابدين الهدوي والدكتور منصور الهدوي مع قيادات عدة من مجالات مختلفة، بمن فيهم سفراء الدول العربية والأدباء والعلماء وغيرهم من أهل الخبرة، ونوقشت في هذه الحوارات قضايا عدة مهمة، تطرقت إلى موضوعات لها قيمة وقامة على المستوى الدولي لتعلن من خلالها المجلة أنها لا تقف عند حدود الحاجز الإقليمي بل أبعد من ذلك إلى رؤية عالمية.

في سنة 2014 عقدت المجلة ندوة دولية تحت عنوان الأدب العربي الصوفي الحديث في الهند والعالم العربي الذي شارك منه نخبة من الباحثين والأكاديميين، وكانت الندوة علامة فارقة في جبهة المجلة لتظهر من خلالها إرادتها وصمودها واستمرارها في خضم الحروف، وبعد الندوة بقليل انتقلت المجلة إلى مرحلة جديدة، بل تركت الندوة آثارا وأفكارا جميلة وثقيلة على إدارة المجلة لتوجيه بوصلتها نحو عالم بلا حدود وتحويلها من الشكل الصحفي إلى شكل المجلات العالمية مع زيادة الأوراق وإضافة أعمدة وقوالب رائعة لجذب القراء، وهذا الانتقال كان للمجلة أشبه بالمغامرة، لأنها تعودت إصدار 24 صفحة وكانت لا تكلف سوى مبلغ زهيد لكن هذا الانتقال من صورة الجرائد إلى صورة المجلات العالمية تصميما وتنظيما كلفها ميزانية باهظة.

المجلة آمنت بضرورة هذا الانتقال فاستمرت كذلك لتصدر المجلة أنيقة ورشيقة على صور المجلات العالمية إلى جانب ما قامت به المجلة على هامش الندوة من تدشين موقع جديد لتفتح بوابتها إلى كل العالم، والموقع أكسبها قراء جددا من المناطق العربية، وفي عام 2021 تبنت المجلة شعارا جديدا يستلهم من وحي الحاضر ويستشرف على حراك المستقبل "نبض الواقع والإبداع" كما أعادت المجلة الصياغة وتصميم الموقع الداخلي بل امتدت إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت فيها مساحات كافية للموهوبين والمبدعين.

وإلى الآن تقف مجلة النهضة بكل هيبة ووقار على ثغور الضاد، تظل تجمع الشباب والأطفال تحت راية اللغة العربية وتمنحهم جوا رائعا من الإعلام والصحافة ليكونوا غدا أعلام الإعلام وصناع القرار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.