شعار قسم مدونات

هل يكون الإعلام الفريسة المقبلة للرئيس؟

الرئيس التونسي قيس سعيد (مواقع التواصل)

"لو كان هناك بالفعل تضييق لتمّت محاكمة البعض من أجل التحريض على الاقتتال والدعوات إلى تغيير هيئة الحكم". هكذا رد الرئيس التونسي قيس سعيد على منتقديه ومعارضيه الذين يتهمونه بالاعتداء على حرية التعبير، ومحاولة العودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد. قد يبدو كلام الرئيس صحيحا، فعدد كبير من وسائل مازالت تنتقد بكل حرية في سياسات الرئيس. لكن، ألا يمكن أن يكون هذا الصمت هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، أو الترصد قبل الانقضاض على الفريسة؟

المعروف عن قيس سعيد أنه، ومنذ انتخابه رئيسا للبلاد، لم يتكرم بحوار مع وسيلة إعلام تونسية إلا مرة واحدة، كانت بعد 100 يوم من توليه الرئاسة، وهو تعهد كان قد التزم به خلال المناظرة الرئاسية قبيل انتخابه. ولم يعد الكرّة، إلا عرضا بمناسبة إشرافه على افتتاح قمة الفرنكوفونية في نوفمبر/تشرين الثاني الفارط، عندما توجه إلى أحد صحفيي إذاعة موزاييك -أكثر الإذاعات استماعا في تونس- ولم يجب عن سؤال الصحفي حول القمة. ففي الحوار الذي دام 4 دقائق ونصف دقيقة، خصص 3 دقائق ونصف دقيقة لمهاجمة أحد البرامج في تلك الإذاعة، وعبر عن انزعاجه من النقد المستمر له من صحفيي ذلك البرنامج.

ترصُد قيس سعيد بالإعلام لم يتأخر كثيرا بعد إجراءات 25 يوليو/تموز. فقد قامت قوات الأمن من الغد بإغلاق مكتب الجزيرة بتونس، وبقي كذلك إلى اليوم.

لم تكن تلك المرة الأولى التي عبر فيها الرئيس عن انزعاجه من تعاطي الإعلام مع نشاطاته. فقبل يومين من استيلائه على جميع السلطات في 25 يوليو/تموز 2021، ظهر في أحد المقاطع يتهم وسائل الإعلام بالتعتيم على نشاطاته، منتقدا عرض شريط الأنباء الرئيسي بالتلفزيون الحكومي تقريرا حول جلود الأضاحي قبل الحديث عن مكالماته مع عدد من الرؤساء.

ترصُد قيس سعيد بالإعلام لم يتأخر كثيرا بعد إجراءات 25 يوليو/تموز. فقد قامت قوات الأمن من الغد بإغلاق مكتب الجزيرة بتونس، وبقي كذلك إلى اليوم. وقد ذكر الصحفي بقناة الجزيرة، محمد كريشان، إن جميع السلطات تبرأت من هذا القرار، ولم تعرف، رغم مرور أكثر من سنة ونصف السنة على الإغلاق، جهة القرار. وفي نفس الأسبوع، قام قيس سعيد بعزل مدير التلفزيون الرسمي، وتعيين مديرة جديدة، دون الرجوع إلى الهيئة المكلفة بذلك كما تقتضيه الإجراءات العادية. كما قامت السلطات منذ ذلك الوقت باعتقال واستجواب عدد من الصحفيين بسبب مواقفهم وآرائهم، معتمدا على مرسوم أصدره، يسمح للسلطات باعتقال الصحفيين بتهمة نشر أخبار زائفة.

تعامل قيس سعيد بأسلوب التضييق على الإعلام، اتسم أيضا بالتعتيم. فإضافة إلى صمته وصمت رئيسة حكومته وأعضائها، وعدم إدلائهم بتصريحات، فقد تعمد الرئيس تحييد الإعلام عن كل مساءلة. ففيما يبدو أنها سابقة تاريخية، عقد لقاء صحفيا رفقة نظيره الفلسطيني دون حضور صحفيين. كما اشترطت الرئاسة على الصحفيين عدم طرح أي سؤال على الرئيس في لقائه الصحفي مع الرئيس الجزائري.

مازال البعض من الصحفيين ووسائل الإعلام يقاوم للمحافظة على حرية الإعلام، التي تعتبر أهم مكاسب ثورة 14 يناير، فيما اختارت بعض وسائل الإعلام استقدام وجوه دائمة في برامجها لا تخفي مساندتها التامة لقيس سعيد، اتقاء لشر قد يحصل

اعتمد الرئيس التونسي أيضا الهجوم غير المباشر على الإعلام، عبر اعتقال واستجواب الضيوف على تصريحاتهم، وفقا للمرسوم المذكور آنفا. فقد تم استجواب المعارضين العياشي الهمامي وشيماء عيسى، ليس على توجهاتهما السياسية، بل على تصريحاتهما في وسائل الإعلام، وكانت الشاكية هي وزيرة العدل نفسها. كما تم اعتقال أحد النقابيين، في إطار خصومته مع اتحاد الشغل، بسبب أحد تصريحاته الإذاعية. هذا الأسلوب، يتم اعتماده عادة، لترهيب الخصوم من جهة، وإفراغ وسائل الإعلام من الأصوات المناوئة لإجبارها على استضافة الموالين لملء الفراغ.

مازال البعض من الصحفيين ووسائل الإعلام يقاوم للمحافظة على حرية الإعلام، التي تعتبر أهم مكاسب ثورة 14 يناير/كانون الثاني، فيما اختارت بعض وسائل الإعلام استقدام وجوه دائمة في برامجها لا تخفي مساندتها التامة لقيس سعيد، اتقاء لشر قد يحصل. ولا يبدو أن علاقة الرئيس بوسائل الإعلام لن تنتهي عند هذه المرحلة، فحسب ما يبدو من تصريحاته التي يبثها على صفحة الرئاسة على فيسبوك، لن يهدأ له بال، ما دامت توجد أصوات مناوئة له، أليس هو القائل "حرية التعبير يجب أن تكون مسبوقة بحرية التفكير"؟