سمعتُ الخبر القائل إن زلزالا كبيرا طوق خصر تركيا، وجبين سوريا وثغر البلدين الباسم على المتوسط، فسارعت بالتواصل مع صديقي الإدلبي، ولم يرد، ورد علي ابنه بعد وقت ليس بالقصير، لكن كانت الأمور طيبة على الأقل بالنسبة لأسرته، كانت أسرتي قلقة أيضا، فالمودة الصادقة لم تعد شائعة كثيرا، تطوف ببالي تفاصيل متنوعة عن الزلازل والكوارث الطبيعية، وردود فعل الناس حولها، ففرديا هي ابتلاء قدري بحت، محنة، أو منحة بناء على أفعال البشر، وردود فعلهم تجاهها، فمن نظر في نفسه، وما هو فيه، فرجع لربه، فَبها ونِعمتْ، وإلا فليستدرك قبل فوت الفوت. ومن طريف الأمور أن صديقي الياباني تاكيشي فوكوشيما نجا بأعجوبة من زلزال كوبي الشهير التي كان يعمل فيها، حيث سافر بالقطار لقضاء العطلة مع عائلته في أوزاكا، تاركا المدينة نائمة تنتظر الزلزال صباحا، حيث لم يجد موضعا يقيم فيه سوى مسجد كوبي الكبير.
إن لم يكن في اليد منع الزلازل، فعلى الأقل فليكن التدبير العاقل، والالتفات الرحيم لحوائج الناس، وجميل أن تبادر الجمعيات الخيرية لإرسال الرسائل لجمع التبرعات لإدراك أهل سوريا في محنتهم المستجدة.
وجماعيا؛ مسؤولية المجتمعات أن تدرك ما عليها تجاه قضية إصلاح ذاتها، وهذا الإصلاح في حد ذاته، ليس أمرا مقصورا على الجانب القيمي والسلوكي، وحسب؛ بل بالتفكير العلمي، والتخطيط العملي، والإدراك للواقع المعاش، والالتفات للإنسان، وقضيته، وتحسين حياته، وحمايته من الأخطار، فإن لم يكن في اليد منع الزلازل، فعلى الأقل فليكن التدبير العاقل، والالتفات الرحيم لحوائج الناس. وجميل أن تبادر الجمعيات الخيرية لإرسال الرسائل لجمع التبرعات لإدراك أهل سوريا في محنتهم المستجدة التي أضيفت لمحنتهم الطويلة، وكذلك، لتركيا التي وجدت حزامها الجنوبي مصابا بشدة.
وجيولوجيا؛ ما يلفت هو أن هذا الزلزال مخالف لدورات الزلازل المألوفة، وخالفها في أمر آخر، وهو أن الزلازل التابعة في العادة تكون أقل من الزلزال الرئيسي، ولكن ما جرى أن الزلازل تتتابع بنفس الشدة أو مقاربة لها، ولكن من يمكنه التنبؤ بها؟! لو كان الأمر كذلك لتنبأ الناس بتسونامي الذي حيّر الناس، وصبغ وجوههم بالحيرة، ولا أزال أذكر صديقنا المالديفي الوديع الذي ترك المحاضرات في جامعة قطر، وظل يتصل بعائلته للاطمئنان عليها، وظل يتابعهم عدة ساعات، في زمن ما قبل التطبيقات الذكية والتواصل الاجتماعي.
الزلازل ذات أثر أعمق من الدمار الاقتصادي، أو الإنساني، فآثار الحضارات قد تمحوها الزلازل، والإمبراطوريات قد تجهدها الزلازل، فزلزال طشقند 1960م دمر آثار المدينة الإسلامية، بحيث غدا من الصعب إعادة بنائها.
وعرف تاريخنا الإسلامي الزلازل، ورصدها وعدها، كزلزال حلب عام 1138م الموافق 533هـ، حيث رصد المؤرخون 80 زلزالا متتابعا، وقد هدمت قرى وبلدات كاملة، هذا عدا عن زلازل في بغداد، وواسط، وحلب، ودمشق، والرملة، ومصر، علاوة على زلازل الأناضول التي رصدها المسلمون كثيرا، ووصفوها بأنها كانت خسفا حقيقيا، وليست مجرد زلزلة.
والزلازل ذات أثر أعمق من الدمار الاقتصادي، أو الإنساني، فآثار الحضارات قد تمحوها الزلازل، والإمبراطوريات قد تجهدها الزلازل، فزلزال طشقند 1960م دمر آثار المدينة الإسلامية، بحيث غدا من الصعب إعادة بنائها، والأمر ذاته حدث عام 2003 في مدينة بام الأثرية بإيران، ولست متأكدا ما إن كانت الحكومة قد تمكنت من فعل شيء ما لإعادة بناء المباني الطينية في المدينة المعدودة ضمن التراث العالمي، والأمر ذاته يتكرر في حديثنا عن زلزال لشبونة المهول الذي مات فيه ما بين 60 و100 ألف شخص، ومحيت لشبونة المنتمية للعصور الوسطى، والعصر الإمبراطوري البرتغالي. ودخلت البرتغال بعد ذلك في دوامة من عدم الاستقرار لم تستفق منها بسهولة إلا مع السبعينيات من القرن الـ20، وقل الأمر نفسه عن زلزال بيروت الذي وقع عام 555م، ودمرها، وأنهى عمل مدرستها القانونية الرومانية، تاركا إياها قرية صغيرة منزوية بجانب البحر، حتى إن التاريخ نفسه لم يتذكر أن يكتب عن فتحها الإسلامي شيئا، إلا مع مدن أخرى كقيسارية وصور، وغيرها، والأمر ذاته تكرر مع عمّان عاصمة المملكة الأردنية التي أرهقتها الزلازل في القرن الثامن والتاسع الميلاديين، فطوت حيًّا نزله فيما بعد الشركس الذين فروا بدينهم من الحكم الروسي في الربع الأخير من القرن الـ19، وقد أعادوا بناءه وتعميره.
حمى الله البلاد والعباد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.