نهاية زعيم منتخب مستبد

ميدان - موسوليني
بينيتو موسوليني (مواقع التواصل الاجتماعي)

لم يصل بينيتو موسوليني إلى الحكم في إيطاليا على متن دبابة أو بانقلاب دستوري، بل بانتخابات ديمقراطية ونزيهة، إلا أن حكمه كان استبداديا مطلقا، ونهايته كانت بشعة، بعد أن وصل للسلطة بحب الشعب، وخرج منها بسخطه.

ولد موسوليني سنة 1883 في شمال إيطاليا، وامتازت طفولته بطبعه الصعب وبالشغب وكرهه للدين. عند وصوله لسن الـ19 تهرب من الجيش وتوجه لسويسرا، وعاش سنتين متشرّدا، ثم نجح في الالتحاق بجامعة لوزان وتأثر بأفكار الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه المعادية للديمقراطية والدين والليبرالية الرأسماليّة. عام 1909 عاد إلى إيطاليا، وشارك في مظاهرات الحزب الاشتراكي ضد الاستعمار الإيطالي لليبيا سنة 1911، وكلفه ذلك السجن بضعة أشهر. وشجعت هذه الحادثة زعماء الحزب على تعيينه مدير تحرير صحيفة حزبهم. إلا أن شخصيته الصعبة والمستفزة، جعلت المسؤولين يفصلونه، مما اضطره للدخول إلى الجيش لكسب قوته وشارك في الحرب العالمية الأولى سنة 1914.

ورغم انتصارها، فإن الحرب أنهكت إيطاليا، فوجد عدد كبير من الجنود -من بينهم موسوليني- أنفسهم مشردين في شوارع البلاد التي أصبحت مواطن الشغل فيها شحيحة. فازداد الفقر، وانتشرت والجريمة المنظمة من طرف المافيا والكومورا، فقرر موسوليني التحرك، وأسس حزبا جديدا أطلق عليه اسم الحزب الفاشي (يعني الغاضب)، يضم الجنود المشردين والمجرمين المنسلخين من المافيات وكل الساخطين على الوضع. وكان الحزب عصابة في شكل حزب، فقد كان يستعمل العنف والإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافه.

لم ينتظر موسوليني كثيرا ليبدأ عهد استبداده، فألغى الأحزاب ونشر الفكر الفاشي في البلاد وسجن وقتل كل من يعارضه في السياسة والأدب والفن

أخفق موسوليني في الدخول للبرلمان عام 1919، إلا أنه نجح في ذلك بعد سنتين. إثر ذلك أسس الجناح المسلح للحزب المعروف باسم "سكوادريستي" والذي يتكوّن من جنود قدامى ناقمين على النظام ومجرمين ومتشردين. وكان أسلوبهم يتمثل في ارتداء قمصان سوداء وحمل عصي، والهجوم على كل اجتماع أو مظاهرة، أو سياسي لا يتوافق مع آرائهم. وفي تلك الفترة، كانت معدلات الفقر والبطالة والنقمة على الطبقة السياسية في ارتفاع في إيطاليا، مما ساهم في ارتفاع شعبية الحزب الفاشي، إلى أن نجح موسوليني في الوصول إلى منصب رئيس الوزراء إثر انتخابات 1925.

إعلان

لم ينتظر موسوليني كثيرا ليبدأ عهد استبداده، فألغى الأحزاب ونشر الفكر الفاشي في البلاد وسجن وقتل كل من يعارضه في السياسة والأدب والفن. وأمر بنصب تمثال له في كل مدن إيطاليا، وفرض تسمية كل الشوارع الرئيسية باسمه، ويقال إنه فرض على كل العائلات تعليق صورته في غرف النوم.

كان طموح موسوليني إعادة مجد الإمبراطورية الرومانية، وأن يصبح حاكم البحر الأبيض المتوسط، فبدأ بليبيا وقتل أكثر من 500 ألف ليبي أشهرهم عمر المختار، واحتل إثيوبيا عام 1935 ونفذت إيطاليا مجازر وحشية فظيعة، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الإثيوبيين. كما تحالف مع أدولف هتلر واليابان في الحرب العالمية الثانية وشكل معهما دول المحور، وساند الدكتاتور الإسباني فرانكو، واحتل ألبانيا عام 1939، وكان شعاره في حكمه "السلام لا يقوم به إلا الأغبياء".

حاول بينيتو موسوليني الهرب رفقة عشيقته كلارا بيتاتشي وبعض معاونيه، بعد أن تحول إلى العدو رقم واحد في إيطاليا، إلا أنه تم القبض عليه في 26 أبريل/نيسان 1945

وكما هو معروف، عرفت دول المحور هزيمة في نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد تتالت الهزائم إلى أن احتلت بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية عدة أراض في إيطالية، وعندها انحسرت شعبيته، وبدأ يرتفع السخط الشعبي على سياساته الفاشية، وانفض من حوله مساندوه والقوات المسلحة المهزومة، مما شجع الملك فيكتور إيمانويل الثالث على اعتقاله.

حاول بينيتو موسوليني الهرب رفقة عشيقته كلارا بيتاتشي وبعض معاونيه، بعد أن تحول إلى العدو رقم واحد في إيطاليا، إلا أنه تم القبض عليه في 26 أبريل/نيسان 1945 في شمال إيطاليا وهو يحاول الوصول إلى سويسرا. وبعد يوم، تم إصدار حكم الإعدام بحقه وعلى عشيقته ومعاونيه، وتم في نفس اليوم رميهم بالرصاص، وعرضت جثته رفقة جثة عشيقته وجثث 5 قادة فاشيين آخرين في ساحة عامة في ميلانو معلقة من الأرجل أمام محطة لتزويد الوقود. وسمح للجماهير برشقهم ورمي الجثث بالرصاص، كما تم في تلك الفترة، قتل وسحل عدة زعماء فاشيين والتمثيل بجثثهم في الشوارع الإيطالية.

هكذا كانت نهاية زعيم وصل للحكم بفضل شعبوية مقيتة، كسب بها عقول شعبه. إلا أنه أخطأ ككل مستبد، وظن أن استبداده دائم، وأن الشعب الذي أحبه يوما سيظل على ذلك ما دام هو في السلطة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان