شعار قسم مدونات

مصطفى الجيلي خواجة.. سلام على صحفي التنمية الأبرز

الكاتب السوداني مصطفى الجيلي خواجة
الكاتب السوداني مصطفى الجيلي خواجة (مواقع التواصل الاجتماعي)

مصطفى الجيلي خواجة، الذي ودع الحياة قبل أيام، كان شخصية صحافية من طراز مميز، أمضى في عالم الصحافة ما يجاوز النصف قرن، حيث شق طريقه في عالم الصحافة التنموية والاقتصادية، أو للدقة صحافة الخدمة المجتمعية التي تجعل المواطن وخدمته اهتمامها الأول بغض النظر عن النظم السياسية، وقد دشن هذا النمط في الصحافة السودانية الصحفي القديم عبد الله رجل منذ مطلع الخمسينيات حتى وفاته منتصف الثمانينيات.

أما الراحل مصطفى الجيلي خواجة، فقد بدأ طريقه في عالم الصحافة بمقالات دينية في مجلة "هنا أم درمان"، ثم شق طريقه في الصحافة الاقتصادية والإدارية المتخصصة في مشاكل التنمية، وترافقت تحولاته الصحفية مع مسيرة حياته الوظيفية المليئة بالتغيرات، والتي كان يجمع بينها قاسم مشترك هو عدم الاكتفاء بالصلاح الشخصي، بل تحويل الصلاح الشخصي إلى صلاح متعدٍ للآخرين؛ أفرادا ومؤسسات.

بدأ الراحل الكتابة في مجلة "هنا أم درمان"؛ حيث كتب في الشأن الديني مقالات متعددة، ثم مع تنقلاته الوظيفية من الشؤون القضائية قسم المحاكم الشرعية، وانتقاله للمؤسسة السودانية للسكر، والتي كانت مسؤولة عن التعاملات الدولية والمحلية المتعلقة بصناعة السكر السوداني، شدت انتباهه المسائل الإدارية والقانونية، علاوة على الجوانب الاقتصادية، وبدأ الكتابة فيها مبتعدا عن الشق السياسي بمعناه الأيديولوجي، مكتفيا بالتعقيب على القرارات الصادرة من النظم السودانية المختلفة، ومتجها للمشاكل بموضوعية، وناظرا لمصلحة الموظفين عموما، والمصلحة الإدارية أيضا.

تميز مصطفى خواجة رحمه الله في كتابته بالبعد عن الشخصنة، والاهتمام بتوجيه المسؤولين للوسائل التي تدعم المواطن، وتيسر عيشه

ومع قدوم حقبة الإنقاذ واجه متاعب جمة بسبب انتقاداته الكثيرة في الصحف، وفي مجال العمل، حيث تقاعد من العمل في مؤسسة السكر، بعد توليه مسؤوليات إدارية بفرع المؤسسة في مدينة ود مدني، حيث حلت المؤسسة بسبب صعوبات تراكمت عليها اختتمت بشمولها بالعقوبات الأميركية مطلع الألفية، كما كانت قد واجهت مصاعب جمة بسبب انهيار المصانع العامة، وضعف شبكات التوزيع، ومشاكل كثيرة.

واصل الفقيد كتابته في صحيفة "الجزيرة" التي كانت لسان حال ولاية الجزيرة وسط السودان، و"الأرض الخصبة" التي كان لها مشروع يرفد السودان بذهبه الأبيض، وكانت مقالاته مؤثرة، وحاكية حال المواطنين بصورة عامة، والتنظير للهم الاقتصادي العام فيما يتعلق بمشاكل التنمية المحلية، والوطنية، فالتنمية التي تعمل بدون نظر إلى المواطنين وتحقيق مصالحهم؛ هي تنمية تفقد معناها وقيمتها.

تميز رحمه الله في كتابته بالبعد عن الشخصنة، والاهتمام بتوجيه المسؤولين للوسائل التي تدعم المواطن، وتيسر عيشه، وقد كتب في التسعينيات مطالبا بعودة الجمعيات التعاونية التي كانت مرخصة سابقا في السودان، حيث كان نظامها يتيح لسكان الأحياء القيام بتشكيل جمعية عمومية من سكان الحي، والاكتتاب، وترخيص عملهم، وشراء المواد التموينية والغذائية، وغيرها من تجارة الجملة، وبيعها للمساهمين وغيرهم بأسعار مقبولة تضمن استمرار العملية، وحسن إدارة العمل.

بدأ خواجة مسيرته الوظيفية في العمل القضائي، حيث وصل لمنصب مراقب محكمة، وكان يشرف على عملها الإداري والمالي

ومن جانب آخر، فقد ترشح للمجلس التشريعي في ولاية البحر الأحمر منتصف التسعينيات، ولكن عوامل شتى تجمعت ألزمته الانسحاب في اللحظات الأخيرة، حيث واجه مشكلة ضعف التمويل لحملته، وعدم قدرته على الوصول للجمهور في مختلف الأماكن، كما وقف المؤتمر الوطني ضده بثقله كله، ولاحقا أُلزم بعدة تنقلات مرهقة في مناطق مختلفة من السودان، لم تسمح له حتى بالاستقرار لعدة أشهر.

بدأ مسيرته الوظيفية في العمل القضائي، حيث وصل لمنصب مراقب محكمة، وكان يشرف على عملها الإداري، والمالي، وقد تنقل في مناطق عدة من السودان من بينها محكمة سنجة الشرعية، والعاصمة الخرطوم، ومن هناك بدأ الاهتمام بالقانون، ثم عمل في مؤسسة السكر، وترقى حتى وصل في الثمانينيات لمنصب مدير فرعها في مدينة بورتسودان، ثم بعد إحالته على التقاعد، وحل المؤسسة، أصبح كاتبا صحفيا حرا، وواصل انتقاده للسياسات الاقتصادية، وافتقاد التنمية في السودان للرؤية الكلية، وافتقاد الشعارات للإجراءات الحامية من الفساد، والتي تسمح في الوقت ذاته بتنفيذ الشعارات المرفوعة.

علاوة على ذلك، فإن الراحل عمل متطوعا لفترة في التحكيم الرياضي لكرة القدم في السودان، حيث كان يرغب في تعزيز ثقافة القانون في الملاعب، وبين اللاعبين، لكنه مع تراكم المسؤوليات ترك هذا المجال.

يبقى الفقيد علامة فارقة في الصحافة السودانية لاهتمامه بالشأن الإداري، والاقتصادي التنموي، وذكرى كريمة لكل من عرفه لصلاحه، وتقواه، وحرصه على بث الإصلاح فيما حوله في مختلف المجالات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.