شعار قسم مدونات

أنت مدرب نفسك الأول

“السعادة”.. سجال المدينة المعاصرة والقرية النائية بالمملكة السعيدة
لا تضخم أناك واعلم أنك عظيم بشعورك بالغير وبتواضعك وتقبلك لنفسك والآخر (مواقع التواصل)

مؤخرا، طالعت كتابين من كتب التنمية البشرية "فن اللامبالاة" لمارك مانسون، و"نظرية الفستق" لفهد الأحمدي، وهما كتابان بسيطان يلفتان نظرك إلى بعض تكتيكات الحياة، وفي نهاية القراءة، ستجد أن الحياة لا تحتاج إلى كثير من الحساسية والتوقف عند أدق التفاصيل، فلن يتعب أحد غيرك، خاصة أن الحياة أصبحت ذات إيقاع سريع، لا تعطيك فرصة طويلة للتوقف عند الأحداث، وإذا أخذت فترة أكثر من اللازم فستستيقظ وقد فاتك كثير، افعل الشيء الذي تجده مناسبا وممتعا ومفيدا لك في حياتك. منذ فترة، قرأت كتابا فلسفيا تحت عنوان "بيكاسو وستاربكس" للكاتب ياسر حارب، وهو بنظري قريب إلى هذين الكتابين، ويؤسفني أنني لا أحفظ حرفيا الكتابات التي أقرؤها، ولكن هذه الكتابات تصبح مثل النور في فكرك.

ولذلك، أعطيت ابنتي كتاب "دليل مهارات الحياة لليافعين"، وهو مجموعة من التمارين لإثبات قيم معينة. بالنسبة لعمرها، هو مناسب وأعتقد أنه كتاب قيم إذا قرئ بالطريقة المفترض قراءته بها.

إن أكثر شيء أعجبني في كتاب "فن اللامبالاة" هو حديثه عن الحب وروميو وجولييت، وكنت قد تابعت صباحا في برنامج "صباح الخير يا عرب" الحديث عن مدى تأثير الأفلام الرومانسية على علاقاتنا، فاجتمعت تلك الأفكار في بالي لأجد مدى واقعية كلام الكتاب، إذ قَلَب مسرحية "روميو وجولييت" من عمل يمجد الحب إلى مسرحية تستهزئ بهشاشة الحب الرومانسي وتأثيره على حياتنا بطريقة سلبية إذا لم يصاحبه الوعي والعقلانية.

مواد التنمية البشرية أصبحت تجارة رائجة، ليس الكتب فحسب، بل البرامج الإعلامية والمحاضرات كذلك، وأصبح عديد من مدربي التنمية البشرية ينشئون قنواتهم الخاصة على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي

أما عن "نظرية الفستق"، فلقد حظيت بكثير من العبر، مثل الحلم سيد الأخلاق، كون الأخلاق نادرا ما تجتمع في سيد واحد، موافقتك على كل شيء تنتهي بالتزامك ومحاسبتك على كل شيء، والمساعدة حالة مؤقتة تمنح فقط لمن يستحقها، وما يزيد على ذلك يدعى "استغلالية واتكالية".

أصبحت مواد التنمية البشرية تجارة رائجة، ليس الكتب فحسب، بل البرامج الإعلامية والمحاضرات كذلك، وأصبح عديد من مدربي التنمية البشرية ينشئون قنواتهم الخاصة على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي.

هناك أشخاص غير مختصين في تدريبات التنمية البشرية، ولكنهم يتقنون فنون الحياة، ويعطونك كثيرا من مهارات التنمية البشرية؛ المهم هو إدراك أن ليس كل ما يلمع ذهبا

مثل أي شيء آخر أصبحت التنمية البشرية وسيلة لكسب المال، وهذا ليس بالشيء الضار ما دامت تنفع وتؤثر إيجابا، ولكن -وضَعْ تحتها خطين هنا- من بين ألف كتاب تنمية بشرية ستجد كتابا أو اثنين مؤثرين، والباقي ليس أكثر من وسيلة لتعظيم الأنا، ومن بين عديد من المدربين ستجد واحدا أو اثنين فقط يمنحانك الفكرة النافعة، ومن بين كثير وكثير ستجد نفسك عالقا في دوامة الأنا العليا، والباقي فليأخذهم الطوفان.

هناك أشخاص غير مختصين في تدريبات التنمية البشرية، ولكنهم يتقنون فنون الحياة ويعطونك كثيرا من مهارات التنمية البشرية؛ المهم هو إدراك أن ليس كل ما يلمع ذهبا.

جميل تقدير الذات وشعورك بالاستحقاق وأنك الأولوية، لكن عندما يتعارض هذا الشيء مع من يعنون لك، هنا تكمن المشكلة، فأين ذهبت المشاعر الإنسانية الدافئة -حنية الأم، وعطف الأب، ودفء الأخوة، ورقة الصداقة- وأين ذهب حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله"، وحديث: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

كن أنت مدرب نفسك، هل جربت ذلك؟

تعامل مع تجاربك وكأنها معلمك الأول

هناك عديد من الأفكار التي تندرج بطريقة غير مباشرة تحت شريعة الغاب والبقاء للأقوى والغاية تبرر الوسيلة، فعلينا الانتقاء واختيار ما يتماشى مع ثقافتنا وفكرنا، وألا نكون استهلاكيين؛ علينا أن نقرأ قراءة النقاد، لا قراءة المتلقي دونما فكرة تفسيرية لما وراء السطور.

كن أنت مدرب نفسك، هل جربت ذلك، تعامل مع تجاربك وكأنها معلمك الأول. أعجبني اليوم منشور قرأته "كن مثل لاعب الكرة مبابي؛ وضع لنفسه قدوة رونالدو، وجاء اليوم الذي أصبح فيه مبابي مثل رونالدو"، هذه أول خطوة، ضع لنفسك قدوة ثم منهاجا ومرجعا تقيس عليه ما تقبله وما ترفضه، لا تضخم أناك، واعلم أنك عظيم بشعورك بالغير وبتواضعك وتقبلك لنفسك والآخر، إن ما أعجبني في الكتب التي ذكرتها أنها لا تضخم ثقافة الاستحقاق ولا الثقافة الاستهلاكية، بل على العكس تريك هشاشة الحياة بالموت، فقيمك أسمى من كل المادة الموجودة في الثقافة الجديدة التي تغزو مجتمعاتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.