شعار قسم مدونات

الآفاق الاقتصادية لعام 2023.. بين تشاؤم الاقتصاديين وصمت السياسيين

الاقتصاد العالمي يواجه حاليا أكبر اختبار يتعرض له منذ الحرب العالمية الثانية (شترستوك)

شهدت نهاية سنة 2022 وبداية 2023 صدور العديد من التقارير الاقتصادية الدولية حول الآفاق الاقتصادية لعام 2023، ولعل ما يميز هذه التقارير هو إجماعها على دخول الاقتصاد العالمي سنة 2023 بل حتى ما بعد ذلك في ركود وتضخم. ويأتي التنبؤ بركود الاقتصاد العالمي بعد بداية تعافيه من تداعيات جائحة كورونا وتضرر سوق الطاقة والحبوب من تداعيات الحرب في أوكرانيا. فهل هي حقيقة أن الاقتصاد العالمي مقبل على تضخم متبوع بركود عام؟ أم إن الآفاق الاقتصادية لعام 2023 ستكون أقل حدة مما أجمعت عليه التقارير الاقتصادية الدولية؟ وماذا تخفي هذه التقارير؟ وما رأي السياسيين تجاه الآفاق الاقتصادية المتشائمة لعام 2023؟ وما إسقاطات الآفاق الاقتصادية المستقبلية على اقتصادات البلدان العربية؟

هناك إجماع من معظم المؤسسات الاقتصادية الدولية على دخول الاقتصاد العالمي في تراجع حاد، فعلى سبيل المثال يشير أحدث تقرير للبنك الدولي عن الآفاق الاقتصادية العالمية إلى أن معدل النمو العالمي سيتباطأ بشدة ليصل إلى 1.7% خلال 2023. ولا يستثني هذا التراجع اقتصادًا معينًا بل يشمل كل اقتصادات العالم، حيث سيكون تراجع النمو عمومًا حادًّا وذلك من خلال انخفاض توقعات النمو لتصل إلى 95% من الاقتصادات المتقدمة ونحو 70% من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.

أما تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2022 الذي جاء تحت عنوان أزمة فوق أزمة فيشير إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه حاليا أكبر اختبار يتعرض له منذ الحرب العالمية الثانية. ويأتي هذا بعد ارتفاع التكاليف الصحية الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن جائحة كورونا ارتفاعًا أثر بصفة مباشرة على سبل العيش في مختلف مناطق العالم. يضاف إلى ذلك الانعكاسات المباشرة التي لحقت بالاقتصاد العالمي في نهاية عام 2021 جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة الارتفاع الحاد لأسعار الغذاء والوقود. يضاف أيضا إلى ذلك اتساع نطاق التضخم الذي ترتب عليه توسع حجم الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية في العديد من البلدان، ومن ثم أثر في دخل الأفراد ومستويات معيشتهم.

تشير استطلاعات "McKinsey Global Survey" إلى توجه الاقتصاد العالمي نحو الانسداد، ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى التأثيرات المتعددة الناتجة عن التضخم والصراعات الجيوسياسية.

وقد توصل تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر مطلع 2023 والخاص بالمخاطر العالمية، والذي ارتكز على آراء 1200 خبير وفاعل سياسي، إلى أن الصراعات والتوترات الجيوستراتيجية أنتجت مخاطر جديدة ومتداخلة، وأكد أن هذه المخاطر التي ستؤثر على نمو الاقتصاد العالمي تجمع بين مخاطر آنية كأزمتي التزود بالطاقة والغذاء، وغلاء المعيشة، يضاف إلى ذلك المخاطر الطويلة الأمد كتلك المرتبطة بالتغير المناخي والتنوع البيولوجي والاستثمار في رأس المال البشري.

وتشير استطلاعات McKinsey Global Survey كذلك إلى توجه الاقتصاد العالمي نحو الانسداد، ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى التأثيرات المتعددة الناتجة عن التضخم والصراعات الجيوسياسية. لكن وعكس بقية التقارير، فإن مسح "McKinsy" لشهر ديسمبر/كانون الأول 2022 يبين تراجع مستوى التشاؤم حول الآفاق الاقتصادية لعام 2023 وذلك رغم بقاء المخاوف، فقد بلغت نسبة التشاؤم 54% في مسح ديسمبر/كانون الأول 2022 بعد أن كانت 65% في مسح شهر يونيو/حزيران 2022.

أما فيما يخص وجهة نظر الاقتصاديين فيرى الاقتصادي نورييل روبيني Nouriel Roubini الذي يعد من بين الاقتصاديين الذي تنبؤوا بالأزمة المالية لعام 2008 أن الاقتصاد العالمي مقبل على مرحلة تضخم مصحوبة بركود اقتصادي، ويعود هذا لأن اقتصادات العالم تواجه مخاطر على المدى القريب والبعيد. وتعد الحرب في أوكرانيا والتضخم وهاجس الأزمة المالية التي لا يمكن التنبؤ بوقت حدوثها بدقة من أهم المخاطر على المدى القريب، وأما التهديدات الكبرى التي تشمل العوامل الاقتصادية والعوامل البيئية والتوترات الجيوسياسية وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي فإنها تعد من بين أهم المخاطر على المدى البعيد.

ومما لا شك فيه أن مختلف التقارير المتعلقة بالآفاق الاقتصادية لعام 2023 والتي تستند إلى معطيات موضوعية وتقوم على تحليلات تطبيقية لمسارات مختلف جوانب الحياة الاقتصادية تضفي على مختلف هذه التقارير الطابع العلمي والموضوعي، لكن هل هذا يكفي لتبرير المسارات المستقبلية المتشائمة للاقتصاد العالمي؟ أم إن مثل هذه التنبؤات التي تعد جزءا من علم الاقتصاد تخفي تحديات أخرى؟

إن إجماع الاقتصاديين حول الآفاق المستقبلية للاقتصاد العالمي لعام 2023 يشهد على التوافق التام فيما بينهم، فالاقتصاديون على الرغم من أنهم يعطون انطباعًا بأن لديهم اختلافات عميقة قد ترتبط بانتماءاتهم الأيديولوجية، فإنهم في الواقع يتفقون أكثر مما يختلفون. أما فيما يخص الطبيعة التشاؤمية للاقتصاديين فإنها جزء من الفكر الاقتصادي، حيث إن الاقتصاديين ركزوا اهتمامهم منذ النصف الأول من القرن الـ19 على الاضطرابات (الأزمات) في أداء الاقتصاد. لهذا لا يمكن اعتبار التهديدات والمخاطر التي بنيت عليها مختلف التقارير الدولية بالتهديدات الجديدة بل إنها تهديدات قديمة جديدة ظهرت منذ عقود، لهذا نادرا ما يتبع السياسيون تنبؤات الاقتصاديين. وبالمقابل، يرى Joseph Stiglitz الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2001 أن الأزمة التي يعيشها العالم ترتبط بالدرجة الأولى بتقاعس الحكومات التي لم تتخذ التدابير اللازمة من أجل تفادي الكوارث المقبلة، لتبرز بذلك تناقضات متعددة بين الاقتصاديين والسياسيين قد تكون الآفاق الاقتصادية المستقبلية أحد ميادينها.

أما فيما يخص المنطقة العربية التي تصنّف من بين المناطق التي تواجه بلدانها مستوى مرتفعا من التحديات يتجاوز المتوسط العالمي بشكل ملحوظ، فمن المتوقع أن يتباطأ معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليبلغ 3.5% عام 2023 و2.7% في عام 2024. يضاف إلى ذلك تراجع نسبة النمو الاقتصادي وارتفاع إجمالي الاحتياجات التمويلية لدول المنطقة العربية غير النفطية.

تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ستلقي بظلالها على العديد من الجوانب الاجتماعية للعديد من البلدان العربية التي خرجت منهكة من تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا.

وتجمع مختلف التقارير الدولية على أرقام مثيرة للقلق فيما يتعلق بالانعكاسات المباشرة لتباطؤ نمو اقتصاد الدول العربية ومدى انعكاسات هذا الوضع على مختلف الجوانب الاجتماعية، فعلى سبيل المثال سيصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة، باستثناء بعض الدول النفطية فهذه المستويات يتوقع أن تستمر في الارتفاع خلال العامين المقبلين لتصل إلى 36% في عام 2024. ولا تتوقع مختلف التقارير الدولية تحسنا قريبا في الأوضاع الاقتصادية للعديد من الدول العربية غير النفطية ما لم تتوفر سياسات وطنية ناجعة وظروف دولية مواتية.

ومما لا شك فيه أن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ستلقي بظلالها على العديد من الجوانب الاجتماعية لكثير من البلدان العربية التي خرجت منهكة من تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، لذا فالمحافظة على العيش الكريم والعمل اللائق للملايين من العرب بل حتى استقرار بعض الدول يتطلب اعتماد آليات استباقية تحد من توسع الهشاشة والإقصاء في العديد من البلدان العربية على اختلاف إمكاناتها. ويمكن اعتبار التقارير الدولية المرتبطة بالآفاق الاقتصادية، مهما كانت طبيعتها التشاؤمية، نقطة انطلاق لاعتماد تدخلات استعجالية قبل فوات الوقت. ونظرا لطبيعة الوضع الاقتصادي والمالي في العديد من الدول العربية، يمكن اعتماد برامج إقليمية لدعم اقتصادات البلدان التي تعرف تحديات متعددة، على غرار برنامج الدعم الاقتصادي الأوروبي المقدم إلى اليونان 2015-2019 الذي بلغت قيمته المالية 86 مليار يورو.

وعلى الرغم من أهمية المساعدات الإقليمية في ظل الأزمات الاقتصادية، فإن الحلول والتدخلات المستقبلية تفرض ضرورة خلق ظروف سياسية إيجابية في العديد من الدول العربية لتجاوز مختلف التحديات ومنها التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان