السيد الرئيس باراك أوباما.. دعني أقدم نفسي أولا، اسمي عوني الدوس، أنا طفل فلسطيني من غزة، كان عمري 13 سنة.. نعم كان.
حاولت مؤخرا أن أستمع لخطابكم عن الديمقراطية والحقوق والحريات خلال منتدى الديمقراطية الذي تنظمه المؤسسة التي تحمل اسمكم، لكن لم أستطع سماع كلماتك، لأنني كنت تحت الأنقاض أستمع لأنات وصراخ أصدقائي وجيراني من الأطفال والنساء ممن هدمت إسرائيل منازلهم بالصواريخ والقنابل الأميركية.
فقلت في نفسي، ما دمت لا أستطيع سماعه بسبب الأصوات المرعبة لانفجارات القذائف والصواريخ الأميركية، وبسبب الأصوات المرعبة لانهيار المجمعات السكنية، وصرخات لا تنتهي للأطفال والنساء من الضحايا، فلأتحدث إليه أنا، فهو يعيش في بلده -أميركا- آمنا مطمئنا، وربما يستمع لكلماتي هذه في هدوء، لأنه بعيد عن أصوات الانفجارات.
كانت لدي طموحات في أن أصبح عالما أفيد قطاع غزة المحاصر، وبلدي فلسطين، والبشرية جمعاء.
السيد الرئيس
كان عمري 13 عاما، أما حلمي فكان يتلخص في أن يصبح عدد المشتركين في قناتي على يوتيوب 100 ألف مشترك، أو ربما 500 ألف، أو مليونا، أو 10 ملايين، أو أكثر.. كان حلما بحجم السماء!
يقولون: إن معالم نبوغي بدأت تظهر في مدرسة النخال الإبتدائية التي كنت أدرس بها في غزة، والتي نشرت في فبراير/شباط 2020 تهنئة خاصة لي بعد تميزي في ما قالت إنه إبداع في صنع بطارية لشحن الجوال!
كانت لدي طموحات في أن أصبح عالما أفيد قطاع غزة المحاصر، وبلدي فلسطين، والبشرية جمعاء.
وهي -بالمناسبة- كانت أحلام كثير من أصدقائي الأطفال الفلسطينيين الذين لم تمنعهم ظروف العيش في حصار داخل معسكر احتجاز مفتوح، من التفكير في مصلحة البشرية.
نعم سيدي الرئيس، نحن نعيش تحت الحصار منذ 2007، بمباركة الولايات المتحدة، ودول العالم الذي يصف نفسه بالحر، ولا ذنب لنا إلا أننا نريد لبلدنا أن يتحرر من الاحتلال.
أنتم أيضا في أميركا ناضلتم ضد الاحتلال البريطاني الذي ظل يصف أبطالكم بأقذع الأوصاف، ويقتلهم، ويعذبهم، لكنكم واصلتم النضال حتى تحررتم. وما تزالون تحتفلون حتى اليوم بعيد الاستقلال، وتقدسون أبطالكم وأحراركم.
لكن إسرائيل قصفتها بحجة أنها تضم إرهابيين، وعندما اقتحم جنودها مجمع الشفاء الطبي مثلا، لم يجدوا سوى أسماء الأسبوع مكتوبة باللغة العربية
السيد الرئيس
هل تعلم أن جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر مدرستي الجميلة التي قضيت بها أجمل سنوات عمري القصير؟
لا شك أنك ما تزال تذكر مدرستك الابتدائية، ولا أظنك تنساها، وأعتقد أنك ستحزن لو رأيتها مدمرة وبداخلها عشرات الأطفال والمدرسين.
نعم سيد أوباما، إسرائيل دمرت مدرستي، وكل مدارس غزة، ومساجدها، وكنائسها، ولم تسلم حتى المستشفيات من القصف، وبداخلها عشرات الآلاف من المرضى والنازحين الذين لجؤوا إليها فرارا بحياتهم خوفا من القتل، وكانوا يظنون أن جيش الاحتلال لن يقصفها بصواريخ أميركية.
أكثر من هذا، كانوا يظنون أن الولايات المتحدة والعالم الحر سيمنعون إسرائيل من قصف المدارس والمستشفيات!
هل رأيت كم نحن طيبين ونحسن الظن بكم؟
لكن إسرائيل قصفتها بحجة أنها تضم إرهابيين، وعندما اقتحم جنودها مجمع الشفاء الطبي مثلا، لم يجدوا سوى أسماء الأسبوع مكتوبة باللغة العربية، وقالوا لقناتكم سي إن إن -التي كانت وسيلة الإعلام الوحيدة التي سمحوا لها بالدخول- إنها أسماء الإرهابيين وخططهم الإرهابية!
لقد ضحكت كثيرا وأنا تحت الأنقاض لتلك المشاهد الكوميدية..
رائحة الموت هنا في كل مكان، ومن يصبح أو يمسي حيا اليوم، يتجهز للموت غدا لأنه يعلم أن الصواريخ الأميركية "ذكية جدا"، وهي لا تخطئ هدفها، إن لم يكن اليوم، فغدا.
السيد الرئيس
هل تعلم أن الأمهات في غزة يكتبن أسماء أطفالهن على أيديهم وأرجلهم حتى يكون بإمكان طواقم الإنقاذ -التي تعمل بوسائل بدائية- معرفة أصحاب الأشلاء، فيجمعونها مع بعضها في كيس واحد ويدفنونها معا؟
نعم لقد دُفنت يدا هذا الطفل مع أرجل ذلك القريب، ومع رأس تلك الطفلة، ومع آذان وعيون وأصابع أولئك الجيران الذين كانوا يعيشون هناك.. لا تصدقني؟ اسأل مخابرات بلدك.
هل رأيت سيد أوباما مقطع فيديو تلك الطفلة التي عرفت هوية أمها من خلال شعرها وانهارت بالصراخ والبكاء بعدها؟
هل رأيت فيديو تلك البنت الصغيرة ذات السبعة أعوام التي أنقذت من تحت الأنقاض وبدت منهارة وصرخت في وجه منقذيها الذين كانوا ينظفون وجهها من تراب المبنى المهدم أنها لن تغادر إلا بصحبة إخوتها وأمها وأبيها؟
هل رأيت جثة تلك الطفلة وجدها يعانقها ويخاطبها قائلا إنها روح الروح؟ لقد عاد ذلك الجد المكلوم إلى ركام البيت المهدم باحثا عن أي شيء يذكره بحفيدته المحبوبة التي كانت تلاعبه دائما وتشده من لحيته، فيبادر هو لإمساكها من شعرها ولا يدعها حتى تسحب يدها، ويسبحان في بحر من الضحكات النورانية بين جد وحفيدته؟
مقاطع فيديو جثامين وأشلاء الأطفال أكثر من أن تعد سيدي الرئيس، فإسرائيل قتلت الآلاف منا. يقولون إن عدد القتلى من الأطفال تجاوز 7 آلاف طفل لحد الآن، وربما يتجاوز 10 آلاف قريبا، أو ربما نباد كلنا.. فصواريخكم تستمر في الوصول إلى إسرائيل، وإسرائيل تواصل مسيرة إبادتنا بإذنكم وتحت عيونكم، وصمتكم.
هل تعلم سيد أوباما أن الناس تجمع أشلاء القتلى من فوق أسطح المنازل والسيارات ثم يدفنونها في مقابر جماعية تحت أنظار العالم؟ هل تعلم أن عائلات بأكملها شطبت من السجل المدني بعدما أبادتها إسرائيل بالأسلحة الأميركية التي مولها دافع الضرائب الأميركي الذي لا يعلم عنا شيئا؟
رائحة الموت هنا في كل مكان، ومن يصبح أو يمسي حيا اليوم، يتجهز للموت غدا لأنه يعلم أن الصواريخ الأميركية "ذكية جدا"، وهي لا تخطئ هدفها، إن لم يكن اليوم، فغدا.
حتى من ينقلون حرب إبادتنا -من الصحفيين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي- يلقون المصير نفسه، كانوا ينشرون الخبر والصورة اليوم، ثم يكونون هم الخبر والصورة غدا! إسرائيل قتلت لحد الآن عشرات الصحفيين، وأرجو أن تصدقني وتصدق الجثامين في داخل القبور وتحت الأنقاض، ولا تصدق وزارة خارجيتكم التي قالت إنها غير متأكدة من أن إسرائيل تستهدف الصحفيين.. لقد ضحكت مجددا تحت الأنقاض!
باختصار شديد، نحن نباد، بصواريخكم وأسلحتكم، وبأموالكم، وكلكم تريدون أن نقتل في صمت.
يسعدني أن أخبرك بأن عدد المشتركين بقناتي على يوتيوب وصل لحد كتابة هذه السطور إلى 1.43 مليون مشترك، فيما وصل عدد المشتركين بقناتي على إنستغرام إلى 93.3 ألفا، وقد كانوا بضع عشرات فقط قبل السابع من أكتوبر
السيد الرئيس باراك أوباما
التفاصيل أكثر من أن تحصى، ولا أريد أن أطيل عليك، فلا شك أنك مشغول بالإعداد لكتابك القادم عن الديمقراطية والحريات، أو تجهيز محاضرتكم عن حقوق الإنسان.
لذا أتوقف هنا، آملا أن تسعد ببنتيك الرائعتين ساشا وماليا، وتراهما دائما في صحة جيدة وهما تحققان أحلامهما.
نسيت أن أخبرك السيد الرئيس، أنني أخاطبك الآن من الجنة، أتابع ما يجري، وأستقبل وفود أرواح الأطفال المظلومين القادمين من غزة، حيث سننتظر جميعا يوم القيامة لنأخذ حقنا ممن قتلنا ظلما، فقد قتلتني إسرائيل بصواريخكم، وأوقفت عداد عمري في 13 عاما.
وبالمناسبة، يسعدني أن أخبرك بأن عدد المشتركين بقناتي على يوتيوب وصل لحد كتابة هذه السطور إلى 1.43 مليون مشترك، فيما وصل عدد المشتركين بقناتي على إنستغرام إلى 93.3 ألفا، وقد كانوا بضع عشرات فقط قبل السابع من أكتوبر.. وعلى الرغم من أنني لن أستفيد لا أنا ولا أسرتي من مداخيل القناتين لأن إسرائيل قتلتنا بصواريخكم، فإنني سعيد جدا لحب الناس لي حتى بعد مقتلي.
أما وقد قرأت كلماتي، فإن أردت رؤية صورتي فما عليك سوى الدخول على حسابي بيوتيوب، لكن من فضلك، لا تضغط لا على زر الاشتراك، ولا على رمز الجرس، فأنا ما أزال أخاف من اللحظة التي يضغط فيها مسؤول أميركي على الزر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.