شعار قسم مدونات

كيف نقلل الحزَّ ونصيبُ المفصَل؟ّ!

من علامات الذكاء اللغوي القدرة على إعادة إنتاج وصياغة حديث الشخص المتحدث (بيكسلز)

أذكر مرة أنني كنت في مجلس الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد في الجامعة الأردنية في مادة الدكتوراه في الشعر الجاهلي، وقد طلب من إحدى الطالبات الإجابة على سؤال متعلق بقضية لغوية، فبدأت الطالبة تحرك لسانها بالإجابة، فقاطعها العلامة الأسد مغاضبا وقال: "يا فلانة، اقللي الحزّ وأصيبي المفصل".

وهنا صعدت النظر في الطالبة وهي تحاول ابتلاع ما تبقى من حروفها المبعثرة على شفتيها الراجفة، ثم نقلت البصر إلى الأسد الناصر، وإذا عيناه تلمعان في حزن مشفوع "بنكد الدنيا على الحر أن يرى.." وقد بلغ به مبلغا انتقل من حوارات كان يزاحم بها محمود شاكر، والطناحي وأضرابهم إلى حضيض يتسول به طالبة الدكتوراه أن تقول شيئا مفهوما، ثم غادرت القاعة ولم يغادرني قول الأسد: "يا فلانة، اقللي الحزّ وأصيبي المفصل" ولكن السؤال الذي بقي يراودني عن نفسي!! وأراوده عن نفسه!! كيف نستطيع أيها الأسد أن نقلل الحز؟؟ وكيف نستطيع أيها الناصر أن نصيب المفصل؟؟ كيف؟؟ كيف؟؟ كيف؟؟

وبدأت أقلب الدفاتر بكل ألوانها الصفراء والبيضاء وكل ما اختلط بحبر!! حتى وقعت على غير إجابة، فيممت شطر القلم والورقة، وكان هذا النص الذي يحاول أن يجيب على السؤال الكبير من الرجل الكبير ناصر الدين الأسد.

الذكاء اللغوي هو القدرة على التعبير عن المشاعر والمواقف بالألفاظ التي تحقق الهدف المأمول منها من غير حاجة للشرح

والإجابة من خلال أربعة أسئلة سواء للسائلين:

إعلان
  1. ما هو الذكاء اللغوي؟
  2. وما هي علامات الذكاء اللغوي؟
  3. وما الفرق بين الذكاء اللغوي والثرثرة؟
  4. وكيف نبني ذواتنا لغويا؟

ما هو الذكاء اللغوي؟

القدرة على التعبير عن المشاعر والمواقف بالألفاظ التي تحقق الهدف المأمول منها من غير حاجة للشرح، ويكون التعبير بأقل قدر من المفردات.

أو يمكننا القول إن الذكاء اللغوي: هو القدرة على إيصال المراد من الحديث للسامع من غير تكلف في السرد أو حاجة لتوضيح سوء الفهم.

من علامات الذكاء اللغوي قدرة الشخص على الإصغاء الواعي الذي يتمثل بالوعي للمتحدث أنه يملك معرفة، لا يملكها الطرف الآخر بل حقيقة نوعية متوفرة لديه.

ما هي علامات الذكاء اللغوي؟

  1. القدرة على القراءة لفترات زمنية طويلة كمّاً من الكتب، ونوعاً من المواضيع، لأن القراءة في المطولات تعطي للخارطة الإدراكية مزايا الوضوح في الفكرة والحضور في التعبير لغزارة المفردات.
  2. القدرة على تخليص وتلخيص الكتب من خلال أفكار واضحة، والتعبير عنها بجمل نوعية تؤدي الغرض منها. بل والسعي الدؤوب إلى أن تصبح هاتين المهارتين وسيلتان في الحوارات اليومية فتجد المتحدث المتقن للتلخيص والتخليص قادرا على الدخول والخروج من الحوارات أو تقديم معرفته على طبق من الوعي الحقيقي والبعد عن الوعي الزائف والانتقال من دور الحكواتي إلى دور المعماري الذي يبني القصة بناء معرفيا لا سردا أقرب إلى الثرثرة.
  3. القدرة على الإصغاء الواعي الذي يتمثل بالوعي للمتحدث أنه يملك معرفة، لا يملكها الطرف الآخر بل حقيقة نوعية متوفرة لديه. على حد تعبير فروم في فن الإصغاء.
  4. يملك القدرة على إعادة إنتاج وصياغة حديث الشخص المتحدث، وتقديمه على شكل أفكار واضحة المعنى والغرض بمفردات خالية من الثرثرة والكلمات الحشو.
  5. يستطيع التعبير عن مشاعره سواء في حالة الفرح والغضب والحزن، بكلمات دقيقة تؤدي المطلوب منها ومن مشاعره والعمل على بناء حالة من التفاعل مع المتلقي على شكل تواصل شعوري لدقة توظيف العبارة ولا أدل على ذلك من قول أبي الطيب عندما رفع له نبأ وفاة أخت سيف الدولة وكان محبا لها متيما في هواها فقال في قصيدته البائية النازفة دمعا سخينا:
إعلان

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر .. فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا .. شرقت بالدمع حتى كاد يشرق

 

ما الفرق بين الذكاء اللغوي والثرثرة؟
ما الفرق بين الذكاء اللغوي والثرثرة؟ (الجزيرة)

 

أما كيف نبني هذه القدرة اللغوية؟ وكيف نطوّر المرونة اللغوية؟ والأداء اللغوي؟؟ فهذا كلّه سوف يكون في المقال القابل الذي نحاول الإجابة على تلك الأسئلة من خلال سؤال: كيف نبني ذواتنا لُغويًا؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان