حديثنا اليوم ليس عن التواطؤ الغربي مع الكيان الصهيوني، ولا عن الضعف والتخاذل العربي على المستوى الرسمي، وإنما عن دورنا نحن الأفراد، فلا شك أن كل عربي ومسلم يتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية عما يحدث في غزة وفي فلسطين، من جرائم بحق الأبرياء، فكل فرد -حسب موقعه- مسؤول عن حالة الضعف التي تعاني منها الأمة، فالأمة تتكون من مجموعة أفراد، وضعف الفرد ينسحب على حال الأمة قوة وضعفًا، وفي أوقات العزة كانت الجيوش تتحرك لنصرة المستضعفين، أما في أوقات الضعف فتراها عاجزة حتى عن إيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين في غزة.
المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى النبي الكريم، ومعراجه إلى السماوات العلا، والقرآن الكريم يربط بين المسجدين: المسجد الحرام والمسجد الأقصى، في إشارة إلى عظم مكانتهما ومنزلتهما
تصحيح المفاهيم
أهم الأمور التي يجب العمل عليها، هو تصحيح المفاهيم المتعلقة بفلسطين، فالقضية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وإنما هي قضية العرب والمسلمين، وقضية جميع الأحرار في العالم.
وفلسطين قضية عقيدة بالنسبة للمسلمين، الذين تربطهم الأخوة الإيمانية، يقول الله عز وجل:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سورة الحجرات: 10.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى". أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586).
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لَمْ يهتَمَّ بأمرِ المُسلِمينَ فليس منهم ومَن لَمْ يُصبِحْ ويُمْسِ ناصحًا للهِ ولرسولِه ولكتابِه ولإمامِه ولعامَّةِ المُسلِمينَ فليس منهم". المعجم الأوسط: 7/270.
والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى النبي الكريم، ومعراجه إلى السماوات العلا، والقرآن الكريم يربط بين المسجدين: المسجد الحرام والمسجد الأقصى، في إشارة إلى عظم مكانتهما ومنزلتهما، فيقول الله عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الإسراء: 1.
أمتنا اليوم بحاجة للمؤمن القوي في إيمانه وعقيدته والقوي بالعلم والقوي في العمل والقوي في قول الحق، والقوي في أداء الواجبات، والقوي في حمل الأمانات
التربية والتنشئة
الفرد القوي هو أساس المجتمع والأمة القوية، ولذلك يجب أن نهتم بتربية وتنشئة الأطفال على قيم العدل والإنصاف والتعاون والنخوة والنجدة ونصرة ومساعدة المظلومين.
والتربية والتنشئة السليمة للأولاد باتت أصعب المهام في هذا العصر؛ لأن هناك الكثير من التحديات التي تواجه المربين، وهي جزء من معركتنا الحضارية مع الغرب الذي سلب منا أولادنا وجعلهم يعيشون في عوالم افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تسمم عقولهم، وتشوه فطرتهم، وتستهلك طاقتهم وأعمارهم.
ومن أدوات هذه المعركة ترويج نمط الحياة الغربي من خلال مطاعم الوجبات السريعة التي غزت العالم بأسره، وبيوت الأزياء وصرعات الموضة، والإنتاج الفني من أغان ومسلسلات وأفلام تروج جميعها للمفاهيم الغربية وفي مقدمتها: العلمانية والإلحاد، واللذة، وآخرها وأخطرها هو ترويج الشذوذ الجنسي، ومحاولة نشره، بل وفرضه على مستوى العالم.
وأمتنا اليوم بحاجة للمؤمن القوي في إيمانه وعقيدته والقوي بالعلم والقوي في العمل والقوي في قول الحق، والقوي في أداء الواجبات، والقوي في حمل الأمانات، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وَكَذا، ولَكِن قل: قدَّرَ اللَّهُ، وما شاءَ فعلَ، فإنَّ لو تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ". صحيح مسلم:2664.
والمؤمن القوي هو الذي يستطيع الدفاع عن قضايا الأمة بالكلمة وبالعلم وبالقوة المادية، يقول الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} سورة الأنفال: 60.
ونحن بحاجة للتربية على القيم النبيلة كالعدل، والعفة، والشجاعة، والنجدة ونصرة المظلومين، وفي الحديث المرسل الذي يرويه عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه:"لقد شَهِدتُ مع عمومَتي حِلفًا في دارِ عبدِ اللَّهِ بنِ جُدعانَ ما أُحبُّ أن لي بهِ حُمْرَ النَّعَمِ، ولَو دُعيتُ بهِ في الإسلامِ لأجَبتُ". فقه السيرة: 72.
وهناك حاجة ماسة لإعداد جيل مصلح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحقق الخيرية لهذه الأمة، يقول الله عز وجل:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة آل عمران: 110.
وختامًا نقول إن الشعور بالعجز يجب أن يكون دافعنا للعمل، والسعي من أجل التغيير على المستوى الشخصي أولًا ثم على مستوى الأسرة، والمجتمع، والدولة، والأمة، يقول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} سورة الرعد: 11.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.