بعد أكثر من أسبوعين من انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/شباط 2023 والذي تلاه عقاب جماعي من قوات الاحتلال الإسرائيلي لسكان قطاع غزة وتدمير المنازل على رؤوس قاطنيها في سلوك همجي لم يشهده التاريخ الإنساني من قبل، بدأت تتشكل مواقف عربية موحدة خاصة في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة خاصة من وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر ووزير الخارجية الفلسطيني، والذين تحدثوا برؤية عربية موحدة ومتفقة فحواها أن عملية طوفان الأقصى لا تبرر السلوك الذي انتهجته إسرائيل ولا تبرر العقاب الجماعي للمدنيين.
كما أن الحق في الدفاع عن النفس لا يعطي الحق في التجاوز في الرد، ودعا وزراء الخارجية العرب في جلسة مجلس الأمن إلي ضرورة أن يظل معبر رفح والمعابر الأخرى مفتوحة لدخول المساعدات الإنسانية والطبية، مثلما أن الموقف العربي زاد بضرورة رفع الحصار عن قطاع غزة، ووقف شامل لإطلاق النار، وأعرب وزراء الخارجية العرب عن ضرورة العودة للمفاوضات التي تحقق للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مثلما رفضوا تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأنه شعب متشبث بأرضه وحقوقه، وخلاصة هذه التصريحات نتيجة كبري وهي أن عملية طوفان الأقصى قد حققت هدفها الرئيس وهي نقل الصراع إلي مربعه الأصلي وهو وجود الاحتلال والاستيطان الجاثم علي صدر الجسد الفلسطيني لأكثر من 70 عاما منذ النكبة في العام 1948 وحتي الآن.
لم تحتج كتائب القسام وأفراد المقاومة من الفصائل الفلسطينية المختلفة كثير عناء في تكذيب رواية رئيس وزراء حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن أفراد المقاومة قاموا بقطع رؤوس أطفال إسرائيليين.
سرعان ما ذهبت رواية إسرائيل بشأن سلوك أفراد كتائب القسام والمقاومة من الفصائل الفلسطينية المتسللة إلي الداخل الإسرائيلي عند بداية عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي أدراج الرياح كسراب بقيعة، حينما تكشفت الحقائق، خاصة عندما أطلقت المقاومة سراح بعض المدنيين بوساطة قطرية، والذين تحدثوا عن معاملة كريمة من عناصر المقاومة إبان فترة الاحتجاز من حيث الوجبات الغذائية والتطبيب والخدمات الصحية المقدمة لهم من محتجزيهم الذين أبلغوهم أنهم مسلمون لا يؤذون أسراهم ملتزمين بتعليمات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أثناء الحرب، لقد صدمت هذه التصريحات الرأي العام الإسرائيلي والغربي علي السواء خاصة تصريحات المحتجزتين الأميركيتين بعد الإفراج عنهما وكيف أنهما ودعا عناصر المقاومة الذين ظهروا معهما في الفيديو بكل حفاوة وكرم، ومن قبل ظهر عناصر المقاومة في بداية الصراع في غلاف غزة وهم يفرجون عن سيدة إسرائيلية معها طفلان وهم يساعدونها بحمل أحدهما جوار الجدار العازل، مما عكس صورة ذهنية إيجابية لدي الرأي العام الإسرائيلي والدولي عن سلوك أفراد المقاومة مع المختطفين من المدنيين.
لم تحتج كتائب القسام وأفراد المقاومة من الفصائل الفلسطينية المختلفة كثير عناء في تكذيب رواية رئيس وزراء حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن أفراد المقاومة قاموا بقطع رؤوس أطفال إسرائيليين، والتي لقنها للرئيس الأميركي جو بايدن الذي رددها على مسامع الصحفيين في واشنطن، ولكن سرعان ما صحح البيت الأبيض في بيان له تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه ليس هناك من تأكيدات استخباراتية إسرائيلية أو أميركية بارتكاب عناصر المقاومة لسلوك كهذا مما يعني أن الأمر لا يعدو كونه أكاذيب ترددها القيادة الإسرائيلية لتبرير سلوكها باستهداف المدنيين في غزة وارتكابها جرائم وفظائع لم يشهد لها التاريخ الإنساني في العالم من قبل مثيلا.
لم يكن الموقف العربي في مجلس الأمن الدولي معزولا أو وحيدا، فسرعان ما ظهرت المواقف الدولية المختلفة الرافضة والمستهجنة للفعل الإسرائيلي المتجاوز في غزة، والتي أغضبت إسرائيل وداعميها، ويعد الموقف الأبرز والأقوى الذي أثار حنق إسرائيل هو ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش أمام جلسة مجلس الأمن الدولي المحضورة عربيا إن (هجوم حماس لم يأت من فراغ) وإن سببه الرئيس هو وجود الاحتلال نفسه، إن الأمين العام للأمم كان صريحا وواضحا وصادقا حينما قال (إن الشعب الفلسطيني خضع على مدى 56 عاما للاحتلال الخانق).
إن وصف وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين من داخل مجلس الأمن الدولي الأمين العام للأمم المتحدة (بأنه غير مؤهل لقيادة المنظمة الدولية ودعاه إلى تقديم استقالته فورا) هو خطاب لا تجرؤ دولة سوى دولة إسرائيل عليه.
لم يتوقف السلوك الإسرائيلي على عمله العسكري البربري في عملياته الانتقامية الجماعية في قطاع غزة والضفة الغربية، فقد نقل صراعه إلى الساحة السياسية والدبلوماسية الدولية، إن وصف وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين من داخل مجلس الأمن الدولي الأمين العام للأمم المتحدة (بأنه غير مؤهل لقيادة المنظمة الدولية ودعاه إلى تقديم استقالته فورا)، وزاد وزير الخارجية الإسرائيلي مخاطبا الأمين العام للأمم المتحدة في خطاب لا تجرؤ دولة سوى دولة إسرائيل على انتهاجه قائلا (سيدي الأمين العام في أي عالم تعيش)؟
لا تعد المواقف الإسرائيلية على الساحة الدولية السياسية والدبلوماسية مضرة بالقضية الفلسطينية وتفاعلاتها دوليا، بل يعد ذلك تعزيزا للمواقف العربية والإسلامية والعالمية المتعاطفة مع عدالة القضية والحق المشروع للشعب الفلسطيني ومطالبه الثابتة في حاضر ومستقبل القضية، وأن حقوقه لن تتبخر مهما طال الصراع.
ولكن تبقي الطموحات الفلسطينية والعربية والإسلامية ومن أصحاب الضمير الحي في عالم اليوم متشوقة، أن يتبلور الموقف العربي الرسمي إلى موقف موحد ومتماسك من القضية الفلسطينية لوقف العدوان ورفع الحصار عن الضفة والقطاع بل إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لمرتكزات الشرعية الدولية، حينها سيجد هذا الموقف سندا وعضدا له من الشعوب العربية والإسلامية ومن كل حر وصاحب ضمير حي في العالم أجمع وهو فعل سيجبر الاحتلال والقوي الداعمة له على التعاطي معه إيجابيا، فهل يتحقق ذلك؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.