من دلائل قوة تخطيط القسام وحماس لعملية طوفان الأقصى هو احتفاظها بعدد كبير من الجثث والأسرى والمستوطنين الصهاينة، فهو أقوى سلاح ردع في يد حماس الآن؛ لاستغلاله لوقف الاجتياح الكامل لقطاع غزة، وذلك لعدة أسباب منها:
- أن المواطن والجندي الصهيوني عزيز على حكومته وشعبه للأسف الشديد.
- ملف الأسرى والجثث هو الخنجر في ظهر نتنياهو وجيشه وحكومته الآن، بل مصدر خذلان نتنياهو وجيش المحتل الصهيوني للأبد، وخصوصًا إذا تخلى عنهم واستمر في حرب مفتوحة مع غزة من أجل تحقيق مكاسب لنفسه ولحكومته؛ بعد خسرانه ثقة الشارع الصهيوني بشكل مستمر في الآونة الأخيرة، ويزيد تخليه عن هؤلاء الأسرى من زيادة سخط الشارع السياسي والشعبي الصهيوني ضده، وبذلك سيكون قد كتب نهايته للأبد هو وبن غفير ووزير دفاعه بيد بعضهم البعض.
يجب أخذ نقطة عدم الانتماء وحرص اليهودي على الحياة من نقاط الضعف التي يجب استغلالها، كما كان إظهار مشاهد قتل جنود الصهاينة داخل معسكراتهم بعنف نقطة من أجل بث الرعب والخوف في قلوب باقي الجنود
ومن الملاحظات المهمة التي عملت عليها حماس، استخدام الإعلام بشكل ممتاز، وذلك من خلال تصوير العملية بشكل كامل؛ من اقتحامات لمعسكرات ومستوطنات جيش الاحتلال الصهيوني، وكذلك إذلال الجنود الصهاينة وإظهار ضعفهم وعدم انتمائهم لهذا الكيان المحتل، وظهر من الفيديوهات حرصهم على الحياة أكثر من حرصهم على الكيان الصهيوني، لأنهم يعلمون أنهم مغتصبون وأنهم عبارة عن مجموعة من المشتتين في الأرض، بل ظهر أثر ذلك في مطارات إسرائيل وظهور تيار الهجرة العكسية، وكان سيزيد إذا ضغط بشار وحزب الله ودول الطواق على الكيان، ولكن لم ولن يحدث للأسف الشديد.
ولذلك يجب أخذ نقطة عدم الانتماء وحرص اليهودي على الحياة من نقاط الضعف التي يجب استغلالها، كما كان إظهار مشاهد قتل جنود الصهاينة داخل معسكراتهم بعنف نقطة مهمة من أجل بث الرعب والخوف في قلوب باقي الجنود التي ستشارك في أي عملية ضد غزة مستقبلًا؛ حيث صورت لهم المقاومة نفسها بأنهم مجموعة أشباح وأبطال خارقين يستحيل مواجهتهم.
وظهرت من خلال هذه العملية أن إسرائيل تعيش أزمة وجود حقيقية، وأن هذه العملية بداية النهاية لهذا الكيان، فبرغم ما انفقته من تسليح وبناء جدار عازل بأحدث التقنيات، وما تنفقه من الدعاية على جيشها وسياستها، وما تدفعه لتلميعها دوليًا وإقليميًا، من خلال التكتل الدولي أو قطار التطبيع، جاءت عمليات طوفان الأقصى لتهدم كل ذلك وتوضح للعالم أجمع أن ليس للكيان الصهيوني أرض ولا مكان في وسط العرب، ولعل ردت فعل الداخل الفلسطيني في الشارع الإسلامي أكدت ذلك.
بل أكدت أيضا أن الطموح الشعبي العربي والإسلامي يختلف تمامًا عن حكوماته، وجاءت هذه العملية لتجعل كل مليارات إسرائيل تذهب هباءً منثورًا، وهدمت كل ما كانت تبنيه وتؤسس له منذ عام 1948م، فحطمت طوفان الأقصى هيبة جيش الكيان الصهيوني وسياستها بل ركعته وأسرة جنوده، بل أحرجت كل النظم العربية المطبع مع هذا الكيان وذلك من خلال خروج الشعوب إلى الشوارع مهللين مكبرين فرحين بهذا النصر، ولعل أبرزها ردة فعل شرطي مصري بقتل سياح إسرائيليين كتعبير وتعاطف مع أهل غزة وفرحًا بطوفان الأقصى وغيرها من مظاهر الفرح في الشوارع الإسلامية، لتثبت هذه العملية بأن هذا الكيان سرطان ولن يقبله الشارع العربي والإسلامي مهما كلفه الأمر، ومهما فعل الإعلام ليجمل صورته وصورة التطبيع مع هذا الكيان.
من ذكاء التكتيك إظهار الاحترام لكل من هو مدني؛ سواء امرأة أو طفل تدليلا على حسن سلوك المسلم، عكس سياسة المحتل الصهيوني الذي لا يرحم شيخا أو طفلا أو امرأة
تكتيكات القسام المختلفة وأهدافها
استخدمت المقاومة تكتيك الخداع الإستراتيجي والهدوء قبل العاصفة والمباغتة والمراوغة، والأهم هو عنصر المفاجأة والتوقيت؛ حيث عيد العرش اليهودي، وهو نفس تكتيك الصهاينة في الحرب الخاطفة والمباغتة الذي اتبعوه في حرب 1967 وكذلك في كثير من عملياتهم ضد قطاع غزة، ولكن كان أداء المقاومة أسرع منهم وأشد حسما، نظرًا لضعف الإمكانيات، ففي ظل إمكانيات المقاومة البسيطة والتي تواجه جيش مسلح بأسلحة متطورة وتكنولوجيا متقدمة، تحقق ما لم يحققه جيش كامل، وهذا يدل على قوة التخطيط ووضوح الهدف لدى المشاركين والقائمين على العملية، ومعرفة الإمكانيات لديهم ولدى غيرهم، فكان التوقيت حاسما، والتحرك سريعا وخاطفا، فأفقد العدو توازنه وأربك تحركاته.
الأداة الإعلامية من التكتيكات المهمة التي استخدمتها المقاومة في هذه العملية باحترافية، كما يستخدمها الصهاينة دومًا بدعايات لأنفسهم عند شعوب الشرق الأوسط، وذلك من خلال بث الحرب النفسية والتخويف من قدراتهم المتنوعة التي تنفذ كل شيء مستحيل وقوتهم الهلامية، فرغم استخدام العنف تجاه جيش وجنود المقاومة، إلا أننا نجد على الجانب الآخر معاملة الأسرى المدنيين بكل احترام ولطف، مع الحرص على عدم المساس بهم سواء باللفظ أو باليد أو بالتخويف أو الترهيب، فكان أيضا من ذكاء التكتيك إظهار الاحترام لكل من هو مدني؛ سواء امرأة أو طفل تدليلا على حسن سلوك المسلم، عكس سياسة المحتل الصهيوني الذي لا يرحم شيخا أو طفلا أو امرأة، في حين استخدمت المقاومة القوة والعنف وإظهارهما مع كل من هو عسكري يستخدم سلاحه ضد أهل فلسطين، فكانت ضربة مركزة موجعة للقوى الدولية، وليس إسرائيل فحسب.
أظهرت هذه العملية ازدواجية المجتمع الدولي ومدى تكتله مع الكيان الصهيوني من خلال هذه العملية، في حين صمت عن عملية جنين وقتل مئات الفلسطينيين يوميا، وكذلك اقتحام ساحات الأقصى الشريف من قبل المستوطنين وشرطة الصهاينة بالأحذية، وكذلك أظهرت الصمت السياسي العربي وخيبته تجاه قضية القدس وفلسطين.
نصر مختلف لأنه كسر جدار الحرب النفسية التي يمارسها الصهاينة بأنهم قوة لا تقهر وقادرين على اختراق أي شيء وتنفيذ أي شيء؛ فحماس فجرت البالون الهلامي الصهيوني المتشبع بالبطولة المزيفة والضعيفة.
نصر مختلف وقهر للصهيونية للأبد
ربما سيكون هناك اجتياح شامل لغزة وردة فعل عنيفة من جانب الصهاينة حتى أيام طوال، بل سيكون اجتياح وحصار لم تشهده غزة من قبل، ولكن عزيمة أهل غزة وتمرسهم على ذلك ستكسر شوكة الصهاينة بإذن الله، ولذلك هذا النصر يستحق المؤازرة والصبر والتضحية؛ لأنه نصر مختلف وفي ظرف مختلف، نصر على حكومة داعشية بامتياز تخطط لنشر سرطان إسرائيل في الداخل والخارج بالقوة وبالسياسة وبطمس القضية في الداخل والخارج، وأيضًا من خلال تطبيع او استهداف مباشر للقدس والمقدسات، نصر مختلف لأنه دمر وهزم نفسية الجندي الإسرائيلي، وبالتالي ستجد خوفا كبيرا لدى هذا الجندي في مواجهة أهل غزة، فعندما سيضرب ستكون يده مرتعشة، لأنهم قوم يخافون الموت، ووصل لهؤلاء الجنود ان جند المقاومة وغزة قوم يتسابقون على الموت.
نصر هزم إسرائيل نفسيًا أمام العالم، بل أظهر ضعف جيشها ومخابراتها وأنها مجرد صوت دعائي فقط يخيف ولكن في الحقيقة عندما تقترب منه تجده هواء فارغا، نصر مختلف لأنه أثبت أن ما بني على باطل فهو باطل مهما لمعته مليارات الدولارات والقوى الدولية، فصدق القضية وصدق عزائم الرجال قادر على هزيمة قوة التكنولوجيا والسلاح وكل شيء.
نصر مختلف لأنه كسر جدار الحرب النفسية التي يمارسها الصهاينة مدعين أنهم قوة لا تقهر وقادرين على اختراق أي شيء وتنفيذ أي شيء؛ فحماس فجرت البالون الهلامي الصهيوني المتشبع بالبطولة المزيفة والضعيفة.
إن ما حدث في طوفان الأقصى يعد من أكبر انتصارات العرب في التاريخ المعاصر، وستعلمون أنها بداية لنهاية كبيرة، بداية لإعادة نهضة وحضارة وأمجاد هذه الأمة؛ لأن هذا الحدث أثبت ان الشعوب لديها حس كبير بقضايا أمتها، وهذه القضايا ما زالت حيه فيها رغم ما تم انفاقه لطمس هذه القضايا من نفوس وعقول الشعوب الإسلامية، أثبت هذا النصر أن هذه الأمة بحاجة إلى قائد حقيقي، أمة تريد نصرا حقيقيا، أمة غير متخاذلة كما يعتقد البعض، إنما من يخذلها دوما النخب، أمة حيه يحكمها أموات، ولكنها أمة تمرض ولا تموت؛ فالقادم رغم ما تراه معقدا إلا أن فيه نورا وأملا كبيرا جدا، فاستعدوا أيها الشباب فسيكون لكم دور القيادة، فتسلحوا بالعلم والعقيدة والقضية ولا تركنوا لليأس والاستسلام، فمهما طال الليل لابد للظلام أن ينجلي.
شكرًا حماس لأنها أيقظت الأمل في قلوب شباب أمة، بل شعوب أمة كاملة برغم ضعف الامكانيات والقدرات، فالقادم خير كبير، وضعف وهوان للغرب وللصهاينة، فلذلك وجب الاستعداد لما هو قادم، بل آن للحضارة ان تعود للشرق كما بدأت في الشرق.
تظل هذه العملية المباركة نصرا مختلفا، بل أقوى لطمة على وجه الكيان الصهيوني وجهت له منذ عام ١٩٤٨م حتى الآن
وفي النهاية ومن وجهة نظري
سواء كانت هذه العملية لجر حماس لسيناريو تغيير الديموغرافية، أو الجغرافية، أو شرق أوسط جديد، أو غيرها من السيناريوهات، فتظل هذه العملية المباركة نصرا مختلفا، بل أقوى لطمة على وجه الكيان الصهيوني وجهت له منذ عام ١٩٤٨م حتى الآن، لعدة أسباب، منها أن:
طوفان الأقصى أشعل حماس الشعوب الإسلامية وجعل القدس وفلسطين حديثهم، وأعاد القضية إلى مكانتها الطبيعية وكذلك أعاد التطبيع إلى حجمه، لدرجة من الفرح ونشوة النصر وتقديره تناسى المسلمين بل كافة القنوات ما يجري لأهلنا في إدلب على يد بشار، كما لم يشعر أحد بزلزال أفغانستان، لأن عملية طوفان الأقصى زلزلت قلوب الشعوب وعادت بهم لأمجاد الأمة وانتصاراتها، فأصبحت الشعوب في شوق كبير لعظمة حضارتها وماضيها وسئمت حاضرها ومن يعتليه.
أيضا كسرت هيبة الصهاينة داخل كل مسلم حر، فكسرت الحاجز النفسي بهدم وإذلال الصهاينة في عقر دارهم، وسوف نجد تحركات شعوبية كبيرة وبطولات قادمة تجاه كل ما هو صهيوني أو من يدعمه، لذلك فإن القادم أفضل بكثير، يراهُ الكثيرون ظلامًا، ونراه نحن نورًا وفتحًا كبيرًا، وأن الغرب وحضارته وصهيونيته وفاشيته في أفول كبير بحضارته ومكانته، وأننا أمام جيل التحرير وجيل نهضة الأمة، فاستعدوا جيدًا يا شباب هذه الأمة..
"ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.