شعار قسم مدونات

نصرة الأقصى من التباكي إلى التباري!

سرب "صقر" إحدى الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية #طوفان_الأقصى
سرب "صقر" إحدى الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية طوفان الأقصى (مواقع التواصل الإجتماعي)

تستمر الهجمات الهمجية للعدو على غزة، ويتوالى القصف صباح مساء فوق رؤوس النساء والأطفال والعُزَّل الأبرياء، في ظل صمت قاتل من العالم العربي، ودعم غير محدود من العالم الغربي، وهنا يأتي السؤال الجوهري كيف يمكن للشعوب والأفراد دعم القضية الفلسطينية والمشاركة في التصدي لهذا العدوان الغاشم الذي يقوم بعملية إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم.

فإن دور الفرد بات هو الأمل الوحيد في مساندة الحق، ودعم المقاومة التي تتصدى إلى الإمبريالية العالمية لا الصهيونية فحسب التي تكالبت على الأمة ومقدساتها، وهو ما نبأنا به الصادق المصدوق عندما قال: يُوشِكُ الأممُ أن تَداعَى عليكم، كما تَداعَى الأكَلةُ إلى قصْعتِها" (رواه أبو داود).

الخير ما زال في الأمة، وثمة طائفة منصورة ستبقى إلى يوم الدين وعلى المسلم أن ينحاز إليها لينجو بدينه من الوهن والتقاعس

وهو ما يجعل من المسئولية الفردية فريضة عين على كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، وواجب إنساني على كل حر في ربوع المعمورة، ومن ثم ينبغي على كل امرئ أن يفكر جليا في الأسلوب الذي يمكن أن ينصر به الله ورسوله في تلك المعركة الفاصلة التي وصفها السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام صراحة بأنها "حرب دينية" تسعى إلى إبادة غزة عن بكرة أبيها.

وبعيدا عن التباكي عما وصلت له الأمة من خنوع وخضوع فإن الخير ما زال فيها، وثمة طائفة منصورة ستبقى إلى يوم الدين وعلى المسلم أن ينحاز إليها لينجو بدينه من الوهن والتقاعس الذي أصبح خنجرا في ظهر من يدافعون عن الأقصى وفلسطين بأرواحهم قبل أبدانهم، وفلذات أكبادهم قبل نفائس أموالهم.

القضية الفلسطينية قضية أمة ورفع الوعي لا يقتصر على الشعب الفلسطيني فحسب، بل ينبغي نشره في أجيال الأمة، حتى يدركوا أبعاد القضية وأخطارها عليهم وعلى دينهم وأقطارهم المحلية

ومن ثم ينبغي أن يتبارى المسلمون في ساحة المعركة مستشعرين المسؤولية الفردية، والجهود الذاتية، ويمكن أن نشير في هذا المقال إلى جملة منها على سبيل المثال، لا الحصر:

إعلان

الدعم المعنوي ورفع الوعي

ويكون ذلك بالتصدي للمرجفين والمثبطين انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ" (رواه مسلم) وكذلك الدفاع عن المقاومة والمجاهدين مقتديا بما روي عنه أيضا  "ما مِنِ امْرئٍ مُسلِمٍ يَخْذُلُ امرأً مُسلِمًا في موضِعٍ تُنتَهكُ فيه حُرمتُهُ، ويُنتقَصُ فيه مِن عِرضِهِ، إلَّا خذَلَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ، وما مِن امرئٍ مُسلِمٍ يَنصُرُ مُسلِمًا في موضِعٍ يُنتَقصُ فيه مِن عِرضِهِ، ويُنتهَكُ فيه مِن حُرمتِهِ، إلَّا نصَرَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ" (رواه أبوداود)

فإن الحاضنة الشعبية هي السند الحقيقي الذي يرفع الروح المعنوية، ويلهم الصبر والسلوان لأهالي الشهداء، وإن الجهر بالكلمة الحق في وجه العدو والمنافقين من الجهاد الذي أُمِرنا به مصداقا لقول النبي الكريم "جاهِدُوا المُشرِكينَ بِأَموالِكُمْ وأَنْفُسِكُم وأَلسِنَتِكُم." (رواه أبو داود).

وبما أن القضية الفلسطينية قضية أمة فإن رفع الوعي لا يقتصر على الشعب الفلسطيني فحسب، بل ينبغي نشره في أجيال الأمة، حتى يدركوا أبعاد القضية وأخطارها عليهم وعلى دينهم وأقطارهم المحلية، فإن العدو يحمل حقدًا تاريخيا، وحلما دينيا بأن يملك البلاد ويستعبد العباد من النيل إلى الفرات، معلنا ذلك جهرة وعلانية، ومن الجهل والجهالة صم الآذان وكتم الألسن عن ذلك.

 

إن امتلاك روح المبادرة ومباغتة العدو بأي صورة من الصور تقذف الرعب في العدو وتعيد حسابات منافقيه، وتؤكد على الحق التاريخي والإنساني للشعب الفلسطيني

الدعم المادي

إن الحرب مع العدو لا تقتصر على ساحات القتال، بل هي ممتدة إلى الحرب الاقتصادية والتكنولوجية، وغيرهما، ومن ثم فإن الأمة بما تملك من طاقات – وأنا أركز على الأفراد – ينبغي أن تبادر بتقديم الدعم المادي سواء أكان بالجهاد بالمال وتوفير الغذاء والعلاج، أم كان بتقديم التكنولوجيا وتوظيفها في الميدان، فإن الحرب الإلكترونية واختراق الأمن السيبراني للعدو لا يقل أهمية عن الحرب في ساحات القتال، وكذلك الدعم التقني والتكنولوجي لا يقل أهمية وقيمة عن الدعم النقدي والمالي، وليعلم الجميع أن المعركة لن تنتهي في يوم وليلة، بل إنها مستمرة وإن كانت بشائر النصر قد لاحت في الأفق، وهو ما يتطلب تضافر الجهود وشد المئزر لتحرير الأقصى والقدس وفلسطين.

إعلان

المبادرة

إن امتلاك روح المبادرة ومباغتة العدو بأي صورة من الصور تقذف الرعب في العدو وتعيد حسابات منافقيه، وتؤكد الحق التاريخي والإنساني للشعب الفلسطيني، وتؤكد على أن القضية حية ثائرة لدي جيل مولود في زمن أوسلو وما سبقها من اتفاقيات التطبيع، لدي جيل لم يترعرع في زمن الخطابات القومية، والشعارات الجهورية، بل جيل شبَّ في عصر الحجة الساطعة التي ينطق بها الواقع المشهود، ولا ينكرها إلا جاحد معاند، وربما مواقف العديد من الجماهير الغربية من الرواية والرؤية الصهيونية خير دليل على ذلك.

لا يظن شخص مشهور أو صاحب منصب مرموق أنه سيشارك المقاومة الأجر دون التخلي عن وظيفته المرموقة أو راتبه الخيالي فإن الإمبريالية العالمية لا تعرف إلا الابتزاز والانتهاز

التضحية

لا يحسبن أحد أن نصرة الحق والدفاع عن المقدسات ليست لها ضريبة، قال عز من قائل: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] (آل عمران: 142) وتلك الضريبة يدفعها من خاف الحساب واشتري الجنة "من خاف أدلجَ ومَن أدلج بلغ المنزلَ ألا إن سلعةَ اللهِ غاليةٌ ألا إن سلعةَ اللهِ الجنةُ" (رواه الترمذي) ولن تنال سلعة الله ورضوانه إلا بالتضحية ومجاهدة النفس فقد "حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ" (رواه مسلم).

فلا يظن شخص مشهور أو صاحب منصب مرموق أنه سيشارك المقاومة الأجر دون التخلي عن وظيفته المرموقة أو راتبه الخيالي فإن الإمبريالية العالمية لا تعرف إلا الابتزاز والانتهاز، وتفرض على الرموز، بل على صغار الموظفين أن يصمتوا عن نصرة الحق إن لم ينصروا باطل الصهيونية، ولا يظن مواطن عربي أنه سيشاركهم الأجر بالدعاء دون مقاطعة لمشروب مفضل أو الجهر دون خوف بموقف الحق.

فإن الصمت الذي يسري في الشوارع العربية هو نتيجة الوهن الذي أصاب الفرد قبل أن يكون نتيجة القمع، وهو ما شخصه النبي تشخيصا دقيقا حينما قال: "يوشِكُ الأُمَمُ أنْ تَداعَى عليكم؛ كما تَداعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعتِها. فقال قائلٌ: ومِن قِلَّةٍ نحنُ يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، ولَينْزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدُوِّكم المهابةَ منكم، وليَقذِفنَّ اللهُ في قلوبِكم الوَهَنَ. فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما الوَهَنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا، وكراهيةُ الموتِ." (رواه أبو داود).

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان