هذه المرة سأكتب مقالتي بشكلٍ مغاير، لربما تنشر حال حياتي، ولربما يكتشفها أحدهم في مدونتي، ويرسلها لتُنشر نيابة عن روحي الشهيدة.
الساعة الآن 09:42 مساء، وبضع ثوانٍ أجهلها، كالعادة نستيقظ فجرا للصّلاة، ثم نبقى مستيقظين، كي يتجهز جزء منا لعمله، والباقي لجامعته أو مدرسته، ظنناه يوما عاديا، رغم أن حواسنا جميعا كانت تستشعر قرب المواجهة، أصبحنا مفطورين على هذه الجبلّة السامية، قبل الفجر بزمن أجهله، شاهدت قريبة لي، توفاها الله بالسرطان، وكنت أحتضنها وأبكي، وكلّي شوق لها، وأنا التي لم أحادثها بالدنيا وتحادثني مثلما تحدثنا في المنامات والأحلام، ورأيت امرأة تقول: "أنا أقرأ سورة محمد"، ثم استيقظت على طرقات والدي يوقظنا للصلاة.
بقي في زاوية من عقلي أن أقرأ سورة محمد، وفي الساعة 06:25 صباحا، سمعنا صوتا حسبناه رعدا، وخرجت أركض لأشاهد زخات المطر، وإذ بأبي يقول: "لا تخرجوا من البيت، هناك قصف"، ولكنها كانت رشقات مقاومينا الباسلة تخرج وابلا، بل طوفان كرامة للأقصى وحرائر الأقصى وأسرانا البواسل، أكتب الآن وصوت الصواريخ تهطل من كل مكان، وصواريخ أخرى متوجهة لأراضينا المحتلة لتدك الغاصبين.
الساعة الآن 09:52 مساء، كل الأضواء أُطفئت، لا ضوء في المكان، خوفا من أن يغري الطائرات الرابضة فوقنا، فترسل أحد صواريخها السّاديةِ علينا، فتحيلنا أشلاء.
نحن لسنا خائفين، بفضل من الله ومنة ورحمة، الآن صوت صواريخ مجهول مكان سقوطها، وصوت صافرات سيارة الإسعاف
اليوم هو السبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، هل سنكون على قيد الحياة في العام القادم، ونتذكر مع بعضنا أحداث هذا اليوم العظيم؟ آااه، ولكأنها سنة مرت ثقيلة كصخرة صمّاء، الكثير من الشّهداء ارتقوا بإذن ربهم إلى عليين، والكثير من المفقودين، الكثير ممن نعرفهم وآباءهم، وأمهاتهم استشهدوا، كل بيت أصبح، وأضحى، وأمسى، وبات فيه شهيد.
لا أكاد أصدق ما جرى اليوم، منذ الصّباح حتى اللحظة أشعر أنني بحلم جميل، من أحلامي الدائمة بالقدس والحرية، الكثير من أسرى العدو، وقتلاه في قبضة يدنا.
غدا يوم آخر، لربما أحيا، وإني والله لا عزاء لي ببقائي على قيد الحياة سوى فرحة عيناي وقلبي الراقص نصرا وطربا من رؤية مشاهد التحرير المستقبليّة، لربما تكون هذه آخر ما تخطّه يداي، ولربما أستيقظ غدا، وإن كان في العمر بقيّة، دونت بعضا من مشاهد يومي، نسيت أن أخبركم، ولولا شعوري بأنه شيء طبيعي لي وكل غَزِّي وفلسطيني، لذكرته مفاخرة واعتزازا، نحن لسنا خائفين، بفضل من الله ومنة، ورحمة، الآن صوت صواريخ مجهول مكان سقوطها، وصوت صافرات سيارة الإسعاف، وهذه الزنّانة المحلقة على مقربة منا، كلها لا تخيفنا، لكنّني أخاف على هذه الكلمات ألا أستطيع إرسالها، لنشرها. يا رب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.