دفاعنا في هذا المقال سيكون عن الحِمار الذي تعرض ويتعرض للظلم من قبل البشر ماديًّا ومعنويًّا، وذلك بتحميله فوق ما يطيق، ووصفه بما لا يليق، وتشبيه بعض البشر به عندما يقولون: فلان حمار أو كالحمار، وربما كان الحمار أفضل منهم حالا!
خَلْق الحمار ووظائفه ومميزاته
الحمير كائنات مسالمة لم تتسبب في إشعال الحروب بين الدول، ولم تتسبب في حدوث الكوارث البيئية التي يعاني منها كوكب الأرض وسكانه، والحمير لم تظلم بعضها بعضا، ولم تعتدِ على الآخرين كما يفعل الكثير من البشر، والحمار يبدي رأيه فيعترض ويرفس، بينما نجد من البشر الخاضع الخانع.
الحمار يستخدم كدليل في سلوك الطرقات الوعرة، ويعرف الطرق التي مشى فيها ولو لمرة واحدة
وقال الدميري في "حياة الحيوان الكبرى" عن الحِمار: "الحِمار جمعه حمير وأَحمِرة وربما قالوا: للأتان حمارة، وتصغيره حُمَيِّر، وكنية الحمار أبو صابر. ويقال للحمارة أم نافع، وأم تولب، وأم جحش، وأم وهب، ومنه نوع يصلح لحمل الأثقال ونوع لين الأعطاف سريع العدو يسبق براذين الخيل".
والحمار يستخدم كدليل في سلوك الطرقات الوعرة، ويعرف الطرق التي مشى فيها ولو لمرة واحدة. كما يتمتع بحدة سمع وقدرة تحمل تفوق الحصان بالنظر لحجمه. والحمار مشهور بالعناد، لأنه يستعمل غريزته الطبيعية للبقاء، ولذلك من الصعب إرغام أو تهديد الحمار على فعل شيء ما ضد رغبته، على عكس الكثير من البشر الذين يوردون أنفسهم موارد التهلكة نتيجة إرغام أو تهديد حتى ولو كان صوريا أو متخيلا.
المذموم هو أن يرفع الإنسان صوته ليشبه صوت الحمار، يقول الله عز وجل: "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"
مغالطة التشبيه بالحمار
الكثير من البشر يوصفون بأنهم "حمير شغل" في إشارة إلى أنهم يكدون ويتعبون في العمل ولا يحصلون على مقابل مناسب لما يؤدونه من أعمال، وذلك عيب ونقص فيهم، وليس عيبا بالنسبة للحمار.
ومن المغالطات التي يقع فيها الكثيرون تشبيه الأغبياء من الناس بالحمار، والله عز وجل شبّه اليهود بالحمار الذي يحمل الأسفار وهي الكتب، والذم في التشبيه ينصرف لليهود وليس للحمار، فمهمة الحمار هي الحمل، وليس العلم والفهم، يقول الله عز وجل: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (سورة الجمعة: 5).
وكذلك الحال بالنسبة لصوت الحمير، فالمذموم هو أن يرفع الإنسان صوته ليشبه صوت الحمار، يقول الله عز وجل: "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" (سورة لقمان: 19).
فأين يكمن النقص في الحمار أم في الإنسان؟ يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: "قالوا في الحكمة من علو صوت الحمار حين ينهق: إن الحمار قصير غير مرتفع كالجمل مثلا، وإذا خرج لطلب المرعى ربما ستره تل أو شجرة فلا يهتدي إليه صاحبه إلا إذا نهق، فكأن صوته آلة من آلات البادية الطبيعية ولازمة من لوازمه الضرورية التي تناسب طبيعته. لذلك يجب أن نفهم قول الله تعالى: "إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" [سورة لقمان: 19]، فنهيق الحمار ليس منكرا من الحمار، إنما المنكر أن يشبه صوت الإنسان صوت الحمار، فكأن نهيق الحمار كمال فيه، وصوتك الذي يشبهه منكر مذموم فيك، وإلا فما ذنب الحمار؟!".
وقد ورد نهي المؤمنين عن رفع الصوت عند مخاطبة النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" (سورة الحجرات: 2).
الهدف الأسمى الذي خلق الإنسان من أجله هو عبادة الله عز وجل، يقول تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"
عندما يكون الإنسان أضل من الحمار!
هل يمكن أن يكون الإنسان في مرتبة أقل من مرتبة الحيوانات ومنها الحمار؟ نعم، فعندما يُعرض الإنسان عن منهج الله -عز وجل- وعندما يغيب عقله، وعندما يترك المهمة التي خلق من أجلها، ساعتها يكون في مرتبة أقل من مرتبة الحيوانات، لأن الحيوانات تؤدي المهمة التي خلقت من أجلها على أكمل وجه، وفوق ذلك كله تسبح الله عز وجل يقول تعالى: "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" (سورة الإسراء: 44).
وفي وصف الإنسان الذي غفل عن تسبيح الله عز وجل، وعن أداء المهمة التي خلق من أجلها، يقول الله عز وجل: "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً" (سورة الفرقان: 44).
والإنسان لكي يرتقي ويرفع قدره عن قدر الأنعام، بحاجة لأن يعرف الهدف الأسمى الذي خلق من أجله وهو عبادة الله عز وجل، يقول تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (سورة الذاريات: 56).
ومفهوم العبادة مفهوم واسع تدخل فيه عمارة الأرض، يقول الله عز وجل: "وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ" (سورة هود: 61).
وقوله تعالى: {واستعمركم فيها} أي طلب منكم عمارتها وتحقيق شروط الاستخلاف فيها، ومنها القيام على كل شيء بما يصلحه، ورعاية الكائنات الحية، وترك المخلوقات الأخرى -ومنها الحمار- تؤدي المهام التي خُلِقت من أجلها وبذلك ينعم الإنسان ويسعد.. وترتاح الحمير وتسلم.