الوضع الاقتصادي في باكستان مدعاة للقلق، ومحط نظر الكثير من الاقتصاديين والمراقبين، فعلى الرغم من وجود ناتج محلي إجمالي يبلغ 375 مليار دولار -أكثر من فنلندا ونيوزيلندا- فقد تسبب عدد السكان الكبير بالبلاد في أن يكون دخل الفرد فيها من أدنى المعدلات في المنطقة، وعلى الرغم من جهود الحكومة لتعزيز الاقتصاد، فإن نسبة البطالة لا تزال مرتفعة ومستويات الفقر في ازدياد.
تواجه باكستان العديد من التحديات الرئيسية مثل سداد الديون وانخفاض الصادرات، والتضخم، ونقص الاستثمار الأجنبي. صحيح أن الحكومة اتخذت خطوات لمعالجة هذه القضايا، لكن التقدم كان بطيئا.
كانت البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية عالقة في حلقة مفرغة من الديون والاقتراض مع عدم وجود ضوء آخر النفق.
ظلت الصادرات راكدة في الفترة من 2013-2017، وأظهرت بعض النمو لبضع سنوات، لتعود للانخفاض مجددا هذا العام.
كان الوضع الاقتصادي في باكستان يتدهور منذ فترة، والحكومة الحالية زادت الأمر سوءًا
وتسبب العجز الكبير بين الصادرات والواردات في هذا الوضع في السابق، حيث بلغت الصادرات 37 مليار دولار فقط والواردات عند 70 مليار دولار. في حين تعيش البلاد على تحويلات الباكستانيين في الخارج، والتي تصل إلى حوالي 30 مليار دولار. ولجعل الصورة قاتمة أكثر؛ تحتاج باكستان إلى سداد 75 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
كان الوضع الاقتصادي في باكستان يتدهور منذ فترة، والحكومة الحالية زادت الأمر سوءًا.
ولتصور المشهد.. باكستان في حالة مالية غير مستقرة، ومستويات الديون مرتفعة، ومستويات الاستثمار الأجنبي منخفضة، وعملة ضعيفة. ومما زاد الطين بلة أن البلاد تتعامل مع أزمة سياسية وفيضانات أغرقت ثلث البلاد من العام السابق. وكانت باكستان تتبع برنامج صندوق النقد الدولي، لكن وزير المالية إسحاق دار خرج عن المسار المخطط له. كان يُنظر إلى برنامج صندوق النقد الدولي على أنه نقطة مفصلية ومرحلية ومنعطف حاسم لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الباكستاني وضمان حصوله على قروض من دائنين آخرين.
شكل تخفيض قيمة الروبية الباكستانية معضلة لوزير المالية الحالي إسحاق دار، إذ اتخذ إجراءات صارمة لمحاولة إصلاح قيمة العملة. لسوء الحظ؛ تسببت إجراءاته بارتفاع العملة في السوق السوداء، حيث تقدم قنوات السوق السوداء سعر صرف أفضل، وأدى هذا بدوره إلى انخفاض كل من التحويلات والصادرات من خلال القنوات القانونية.
وقد أظهر ذلك أن هناك حاجة ماسة لاستئناف برنامج صندوق النقد الدولي لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الباكستاني. من جانبه طالب صندوق النقد الدولي الحكومة باتخاذ خطوات لتحسين الوضع المالي للبلاد، وتتضمن هذه الإجراءات تحرير سعر الصرف، والموازنة بين المصروفات والضرائب، وحل القضية الرئيسية للديون الدائرية للغاز والكهرباء، وبعد أن رفضت الحكومة الباكستانية في البداية الامتثال؛ أذعنت أخيرا لدعوة صندوق النقد الدولي لتحرير سعر الصرف.
من الضروري للقنوات القانونية أن تقدم ميزة على السوق السوداء حتى تأتي التحويلات والصادرات عبر القنوات القانونية وتؤدي في النهاية إلى زوال السوق السوداء
في 26 يناير/كانون الثاني تلقى الاقتصاد الباكستاني ضربة -في نظر الجمهور- عندما ارتفع الدولار الأميركي من 230 روبية إلى 250 روبية في سوق ما بين البنوك. ترك هذا التغيير المفاجئ العديد من الأشخاص في حالة صدمة، لكن العديد من مراقبي السوق كانوا يتوقعون بالفعل هذه النتيجة، حيث إن سعر الدولار في السوق السوداء وصل إلى 260 روبية.
ومن الضروري للقنوات القانونية أن تقدم ميزة على السوق السوداء حتى تأتي التحويلات والصادرات عبر القنوات القانونية وتؤدي في النهاية إلى زوال السوق السوداء.
قوبل التخفيض الحاد الأخير لقيمة الروبية الباكستانية بانتقادات من الكثيرين، إذ يجادلون بأنه كان بالإمكان تحسين أداء العملة إن ظلت مرنة. وكان لعواقب هذه المحاولة لإصلاح قيمة العملة تأثير سلبي على اقتصاد البلاد.
عودة إلى صندوق النقد الدولي؛ فتلبية للمطالب الإضافية لصندوق النقد الدولي، تدرس الحكومة رفع الضرائب على الواردات من خلال ضريبة الفيضانات وزيادة الضرائب على البنوك، بالإضافة إلى ذلك، تخطط الحكومة لحل مشكلة ديونها الدائرية للكهرباء والغاز من خلال رفع أسعار الكهرباء والغاز. وتهدف هذه الإجراءات إلى مساعدة باكستان على تحقيق أهدافها الضريبية ومعالجة قضية ديونها الدائرية.
في حين أن هذه الخطوات قد تكون ضرورية لضمان الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، لكنها ستحظى بتأثير سلبي على المواطنين على المدى القصير.
المصادر
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.