شعار قسم مدونات

عام 2022 انطواء قرن بأكمله

year change from 2022 to 2023
كثيرون رحلوا في عام 2022 فكان رحيلهم علامة فارقة على نهاية حقبة معينة (شترستوك)

مع مضي عام كأس العالم قطر 2022، ينتهي بذلك فعليا استحقاق كبير كان على العالم كله تقربه. لا شك أن العالم وقف على قدميه منتظرا نتيجة من نوع ما، المحبون أرادوها بردا وسلاما، والمبغضون أرادوها ضراما وخصاما، والمحايدون ترقبوا ما يكون، فكان الأمر فوق مأمول المحبين.

كثيرون رحلوا في عام 2022، فكان رحيلهم علامة فارقة على نهاية حقبة معينة، حقبة تسيدت القرن العشرين، وكثيرون منهم ممن تجاوز الـ80 عاما، مما يعني أنهم عاشوا من الإدراك قرنا ونصف القرن، فأكثرهم تلقى العلم على يد كهول الجيل السابق عليه، ولك أن تتخيل حجم الحمولة الفكرية لأي من هؤلاء، وما خاضه من تحولات، ورآه، وشاهده.

الشيخ يوسف القرضاوي (مواقع التواصل)

القرضاوي.. علامة العصر

القرضاوي الذي لن يكون الفقه الإسلامي بعده كما كان قبله، سواء اتفق الفقهاء معه أم لا، كان أحد أبرز الراحلين عام 2022، وفي العام ذاته رحلت إليزابيث ملكة غروب الإمبراطورية، التي انتقلت معها الإمبراطورية من مرحلة الإمبراطورية إلى مرحلة الإرث وإدارته.

البابا بندكت السادس عشر

في اللحظات الأخيرة من العام، رحل البابا بندكت السادس عشر الذي أثار ضجة حادة عام 2006 بوصمه الإسلام بالإرهاب، مما اقتضى توضيحات من الفاتيكان. وعلى أي حال، فقد يكون آخر البابوات المحافظين، بالنظر لما تبناه خلفه من توجهات، ويمكن وصفه كذلك بالبابا المستقيل الذي قبل تحمل مسؤولية ممارسات جرت في مؤسسات كنسية.

 

بيليه فارق الحياة عن عمر 82 عاما (غيتي) (الجزيرة)

بيليه.. الجوهرة السوداء

وقبل أيام رحل بيليه، وفي رحيل الجوهرة السوداء إشارة ضمنية لانطواء استحقاقات قرن طويل اسمه القرن العشرون، استحقاقات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، فبيليه كان الوجه الأسود الذي حمل أحلام الطبقة السوداء في البرازيل، فكان الوجه الرياضي المقابل لحركة حقوق السود في أميركا مع مارتن لوثر كينغ، فكان رحيله عنوان نهاية حقبة بكاملها.. وقرن بحاله، وتحدياته.

شيرين أبو عاقلة.. شهيدة الحقيقة

رحيل شيرين أبو عاقلة القاسي، والمؤلم، ترك بصمته في أحداث 2022 كجريمة في حق الكلمة، ودليل على أن أخطر ما يخشاه الظالمون كلمة، وأن ليس للكلمة من مدى للأثر، حتى لو غاب قائلها عن المشهد، وسيبقى الأثر ماثلا ما دام الظلم قائما.

شخصيات عامة وسياسية

رحل كذلك سياسيون آثر كثير منهم الانزواء في سنواته الأخيرة لأسباب مختلفة، منهم سليم الزعنون المناضل الفلسطيني الفتحاوي الزاهد الذي آثر الهدوء والانزواء طويلا، وليث شبيلات الإسلامي الأردني الذي ملأ الدنيا نهاية التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، ونظيرته في النشاط في تلك الحقبة منيرة القبيسي مؤسسة جماعة القبيسيات السورية النسائية الإسلامية، والتي قنن نشاطها لاحقا، ورحلت في هذا العام أيضا الناشطة الإسلامية النسائية سعاد الفاتح البدوي إحدى السياسيات السودانيات الإسلاميات الرائدات، واغتيل الظواهري بعد 10 سنوات من اغتيال رفيقه بن لادن، رحل تاركا صمتا، فلم يعد الناقدون مبالين بتنظيم بدا حملا وديعا أمام وحشية ابنه الشرعي: "داعش" (تنظيم الدولة)، وهمجيته التي احتضرت سريعا بمقتل قائدها أيضا في العراق الذي مات من ساسته سلام الزوبعي أحد وجوه العملية السياسية بعد 2003، الذي ذوى تدريجيا بعد سنوات قليلة منها. وعالميا، رحل غورباتشوف نسيا منسيا، وهو عراب التحولات أيضا الذي ساق الاتحاد السوفياتي لمصيره المحتوم، وخرج معلنا حله في ديسمبر/كانون الأول 1991، وللمفارقة فقد مات غورباتشوف عن 91 عاما أيضا.

ومن المفكرين، رحل سيد القمني الذي لا ينبغي تذكره، وحسن حنفي الذي نازع طويلا مغطيا يساريته بالاعتزاء للاعتزال، ومفيد فوزي الذي قفز فوق ميراث التعايش فأساء للشيخ الشعراوي.

على الصعيد الشخصي

شخصيا، خسرت عائلتي أفرادا أعزاء على مدى العام، تنوعت أعمارهم، وآثارهم، فمن ابن عمي الشاب، ومرورا بأسماء عزيزة، تركت بصمتها في حياتي الشخصية، وانتهاء بجدات كريمات، كن ظلا وريفا، ونبعا من العطف، ورجال كرام كانوا صمام أمان، بدونه تبدو الأرض منقوصة من أطرافها.

سياسيا

يبدو السودان أكثر غموضا من ذي قبل، والعالم العربي كله يمر بمرحلة تسوية، وإعادة ترتيب شاملة بعد عقد كامل من الفوران، وتركيا القريبة لا تزال على سياستها المحافظة، وروسيا تحاول التمدد والحفاظ على إرثها القيصري السوفياتي، والغرب يناور ويلعب بالوكالة على أرض أوكرانيا، والصين تراقب بهدوء فيما شبكة قروضها افترست حكومة سريلانكا، وتتمدد في أفريقيا، وسط غضب فرنسي، وبريطانيا تغادر الاتحاد الأوروبي، وتغالب آثار البريكسيت، وانتهى بها الحال برئيس وزراء من نتاج درة تاجها القديم: الهند، ربما يفلح فيما عجز عنه البيض، بينما يعجز بنو جلدته في بلاده الأصلية عن الحفاظ على التعايش القديم، بسبب هوس طالت إساءاته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مما استدعى الإدانة، والشجب، الذي قابله صمت اللامبالاة، المفضي للمزيد من التشجيع على الترويع في حق مسلمي الهند، والولايات المتحدة ترقب عن كثب، ووجهها نحو الصين، فقد قبلت بترك أفغانستان لطالبان، للتفرغ للتنين أكثر، وفي الوقت ذاته، لترك طالبان تواجه شعبا تعلم الإنترنت، والتواصل الاجتماعي، وغدت قبائله تقبل تعليم المرأة، التي غدت محور هتافات في شوارع مدن إيرانية مختلفة منذ مصرع مهسا أميني.

عاش الناس مع ريان، ومأساته، وتعاطف الكل من بلاط الملك، حتى عامة الناس، وتوقف الكل حول الشاشات، وتركوا الدنيا، وظهرت الإنسانية محيطة بحفرة عميقة، ضيقة، أظهرت حاجة الناس حقا لرحمة تنتشل الآلاف من نظراء ريان.

أليس عاما مهولا بحق.