شعار قسم مدونات

احذر قد لا يتقبل الواقع أفكارك عن التغيير

كل دعاوى التغيير والتجديد والتنوير تواجَه من المجتمع الجاهل وأيدي الساسة ومخالب المنتفعين (مواقع التواصل)

يستاء بعض الأصدقاء من محاولاتهم المتكررة في إصلاح بعض الخلل الموجود في مجتمعاتهم في مجالات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية مختلفة العناوين والاتجاهات، وهذه المحاولات المخلصة التي بذلت من طرفهم قد أوصلت البعض منهم لحالة من اليأس أو الضعضعة الفكرية والبرود في العزيمة.

صحيح أن فشل الإنسان في تحقيق أهدافه أو جزء منها له انعكاس سلبي على نفسيته وشخصيته، ولا سيما إذا كان قد بذل جهده ووسعه في الدراسة والبحث والتخطيط والإدارة لفرق العمل والمسارات الخاصة بها. لكن هذه الأمور لا يمكن أن تكون مرهونة بسبب واحد، سبب يتصل بشخصية الشخص بمعزل عن الظروف المحيطة به، والبيئة التي تلتف حوله. فبعض البرامج والمشروعات الاقتصادية والمجتمعية التي طرحت أمامي في البرامج التدريبية أو العناوين البحثية الأكاديمية التي أشرف عليها، يتصل الفشل فيها -كليا أو جزئيا- بالظروف البيئية والمناخ المجتمعي المحيط بهذه المشاريع، ولا يرتبط الفشل بها إطلاقا بالعمل الذي تم في برمجة هذه المشروعات وصناعتها الإدارية ودراساتها المتعلقة بها.

دوافع الجهل والسيطرة وحبّ التملك ورفض الأفكار الجديدة والمواجهة مع العقول النيرة، هي صفة قديمة جديدة عاشتها البشرية في كل الأزمنة

في كثير من الأحوال، يتصل الفشل بالعقلية الموجودة في المجتمع بشكل عام، ولا يتصل بالفرد أو المؤسسة التي تحاول الابتكار والتجديد وطرح البرامج التغييرية حتى لو كانت في صالح هذه المجتمعات، فدوافع الجهل والسيطرة وحبّ التملك ورفض الأفكار الجديدة والمواجهة مع العقول النيرة، هي صفة قديمة جديدة عاشتها البشرية في كل الأزمنة، وفي ظروف الرسالات السماوية الكثيرة، وكانت كل دعاوى التغيير والتجديد والتنوير تواجه من المجتمع الجاهل وأيدي الساسة ومخالب المنتفعين الكبار الذين يظنون أن كل تغيير سيمس سلطتهم وسطوتهم، فإذا اجتمعت هذه العوامل في مجتمع ما، ستجد أن المشروعات الريادية والإبداعية ستواجه مخاطر حقيقية تمس جوهرها ووجودها.

التخوفات السلطوية في كثير من المجتمعات، والمتنفذون الذين يتربعون على عرش المال والرشوة والفساد والمحسوبيات والتعاملات غير المشروعة، لن يسمحوا لمشروعات النزاهة والعدالة الاجتماعية أن تمر، فهي مهدد حقيقي لثرواتهم ومراكز نفوذهم، وبالتالي فهم العدو الخفي لكل تيار مجتمعي أو مؤسسة ريادية، لا يظهرون في العلن، لكن خيوط اللعبة في أيديهم، وقدرتهم على قلب الطاولة في المجتمعات متحققة، ولديهم سطوة النفوذ والجاه والتأثير في دوائر متعددة يمكنها أن تقتل العمل المنتج، وتحارب العقول المتفتحة، تارة بالدعم العلني غير الحقيقي، وتارة بالحرب الخفية بمعاداة ومحاربة المشروعات الريادية ومن يقودها.

الحرية في المساهمة المجتمعية مكفولة للجميع، ولهذا تجد أن المجتمعات الغربية تستفيد من كل تجربة ناجحة، بل تحاول أن تدعمها لتستفيد منها وتطورها في مجالات تهمها مستقبلا

الإعلام اليوم شريك في هذه اللعبة، فهو كثيرا ما يكون رديف أصحاب المال والسلطة، فلم يعد هناك قدرات إعلامية حقيقية مؤثرة يمكنها أن تواجه طغيان الفساد العام في كثير من دول العالم، فسلاح الإعلام الذي يطبل ويزمر للمال ومالكيه، وللسلطات الحاكمة ورموزها، لم يعد الرقيب على الأداء الحكومي والشعبي كما هو منوط به أن يكون، بل بات لسان الحكومات ولعبتها ووسيلتها في صناعة التوجهات المجتمعية، والتأثير على الشعوب المقهورة حتى لا تنهض ولا تتعرف إلى حقوقها المنهوبة منها، وبالتالي يكتفي المواطن بطلب لقمة العيش بعيدا عن مطالبته بحقوقه الأساسية كالتعليم والصحة والسفر والعيش بكرامة وطمأنينة.

في البيئة الأوروبية، يمكن أن تحقق مشروعك مهما كان نوعه بمجرد أن تكون قد استكملت الإجراءات القانونية المتاحة للجميع وبوضوح، ومهما كان مستوى الطرح فباب المشروعات مفتوح أمام الجميع، فإما أن ينجح المرء وإما أن يفشل، لكن الحرية في المساهمة المجتمعية مكفولة للجميع، ولهذا تجد أن المجتمعات الغربية تستفيد من كل تجربة ناجحة، بل تحاول أن تدعمها لتستفيد منها وتطورها في مجالات تهمها مستقبلا، وهو ما نفتقده فعليا في مجتمعاتنا العربية، ويعد واحدا من عقبات الطريق أمام الرواد في منطقتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.