شعار قسم مدونات

أحلى "حاجة" في الدنيا!

ميدان - قرآن كتاب  الله
اتباع كتاب الله وسنة رسوله وقاية من الشعور الأليم بالندم (مواقع التواصل)

قطع تركيزي، وأنا أعمل ظهيرة أحد أيام البرد القارصة، اتصال حمزة ابن أختي ذي الـ11 عاما قائلا -في رسالة تلغرافية طالبة الإغاثة عاجلة- "عبد الله حيموت منى"، ومن الواضح أنه استنفد كل المحاولات في فض الاشتباك بين أخيه وأخته، فقلت له: "صلني بعبد الله"، فكلمني عبد الله ابن العاشرة وهو مستشيط غضبا وممتعض من الحديث، وحينما سألته "ماذا حدث؟"، زاد غضبه وقال: "أقولك علشان تدافعي عن منى وتقولين لي إنها صغيرة، زي ما بابا وماما وجدو وعمتو دايما يقولوا لي مهما عملت؟!" قلت له: "من قال لك ذلك؟!" فالله عز وجل يقول:

"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا" (سورة المائدة: 8)

"فلا يمكن أن أحكم إلا بالعدل مهما كان، فقل لي ماذا حدث؟" بدأ عبد الله يهدأ، ورد قائلا: "طلبت مني منى أن تلعب بلعبتي من فترة ووافقت ولعبت بها مرات كثيرة والنهاردة بتقول إن اللعبة بتاعتها، ولما قلت لها إنها بتاعتي وأنا أسمح لك باللعب بها، أصرت على أنها بتاعتها وكمان حلفت، فكان لازم أؤدبها، موش اللعبة تبقى بتاعتي؟" وعندما قلت له: "ما دمت لم تعطها لها بشكل نهائي لا رجعة فيه، وكنت فقط تسمح لها أخويًا باللعب بها، تظل بالتأكيد لعبتك"، فهدأت نفسه أكثر.

وعندما وصلني عبد الله بمنى -ابنة الخامسة- أخذت تدافع عن موقفها بكل حماس، وكانت حجتها أنها تلعب باللعبة منذ فترة وعبد الله أصبح لا يلعب بها فـ"بقت بتاعتي". فقلت لها: "تخيلي لو طلبت منك أنا ألعب بعروستك بعض الوقت، فوافقت، فطلبتها ثانية طمعا في كرمك وثالثة ورابعة، ثم قلت إنها عروستي، فهل تنزعجين؟"، سكتت وفتر حماسها -كالمذنب الذي انكشف خطأه- وردت على مضض بالصوت "لا"، في خجل محسوس "آه"، فقلت لها: "إذن، لماذا لا تحبين لأخيك ما تحبينه لنفسك كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام:

"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" – رواه البخاري

"وأنا واثقة أنك تقدرين على ذلك، وبالتالي تتفهمين الآن موقف عبد الله منك"، فوعدتني -في نهاية المكالمة بعد سجال طويل- بأنها ستطلب من عبد الله أن يعطيها اللعبة "إلى الأبد"، على حد قولها وبالتالي تنتقل ملكيتها لها بموافقة عبد الله.

ثم رجعت إلى عبد الله ثانية ورجوته أن ينظر إليها بعين الرحمة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم‏- "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا"‏، فأنت لها أخ كبير، "وما أدراك ما دور الأخ الكبير الأوعى والأعلم، والوعي والعلم مسؤولية يجب على الكبير نقلها للصغير، وأراك جديرا بهذا الدور، وإذا كان عليك النهوض بهذا الدور في كل وقت، فما بالك به مع غياب بابا وماما؟!".

وتابعت كلامي "أود أن أقول لك إني لو مكانك، لأزلت سوء الفهم لدى منى، وقلت لها إن استعارتها اللعبة مرات عديدة لا تعني حق ملكيتها، وإنه ليس لدي مانع من أن أعيرها اللعبة متى شاءت أو حتى أتكرم وأهديها اللعبة ما دمت أنا كبرت وأصبحت اللعبة لسنها أنسب. أما أسلوبها بالقسم واليمين الذي تتحفظ عليه، فسأقول لها إنني سأرجع إلى بابا وماما فيه".

وبعد سجال طويل مع عبد الله أيضا، وافقني الرأي ووعدني أنه لن يؤذي أخته، وأنه سيفكر في نقل ملكية اللعبة إلى أخته، وشكرته على تفهمه وإدراكه الأمر، ضحك ثم سألني ببراءة الأطفال وفضولهم المحبب إلي: "أنت ليه يا أسماء -كما يحلو لأولاد إخوتي أن ينادوني- كل لما أتناقش معاكي تقولي لي ربنا قال والرسول قال؟".

قلت له: "لأنني لو لم أتبع كلام ربنا ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لشعرت بالندم الشديد، وهو شعور موجع جدا لا أطيقه، وحتى أتفاداه وجدت -بالتجربة- أن اتباع كتاب الله وسنة رسوله وقاية لي من هذا الشعور المؤلم؛ لأن ربنا بنا أعلم، ولذلك رحمنا بنزول دليل إرشادي لنا وهو القرآن، ليساعدنا على مواجهة شتى المواقف والأكثر من ذلك أنه أنزل كلامه على إنسان مثلنا وهو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي اختاره ليبلغ كلامه لنا ويوجهنا في الحياة على نحو ترتاح إليه النفس، فتخيل لو لم أتبع كلام الله في ما حدث معك، أفما كانت تأخذني رأفة ورحمة بمنى لكونها الأضعف ولتحيزت لها لصغر سنها وحبي إياها ووجعي من إيذائك لها، وقد لا أحكم بعدالة، ومن ثم حقك كان سيضيع وبدلا من حل المشكلة كانت ستتفاقم، الأمر الذي كنت سأندم عليه ندما شديدا بعدما ينتهي الموقف، وتستوي عواطفي الملتهبة نتيجة إيذاء منى".

وتخيل لو لم تقتنع منى -بعد صبر على الحوار والوصول إلى نتيجة- بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وأصرت على موقفها بأن اللعبة لعبتها وزادت في عنادها وزاد استفزازها لك، وبدلا من أن تستخدم قوتك في إرشادها وتقويمها رحت تستخدمها في إيذائها.

وتصور أيضا أنك لو لم تعمل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا"، أفما كنت ستؤذي أختك إيذاء تندم عليه بعد فوات الأوان.

رد علي عبد الله -بعد إصغاء واضح حثني على الاستفاضة معه في أسباب اتباعي كلام الله وسنة رسوله- ببهجة أحسستها في صوته:

كلام ربنا والرسول ده أحلى حاجة في الدنيا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.