يهاجم الكثير من دعاة الإلحاد والفكر الغازي ما يرونه "جمود كثير من علماء المسلمين وبخاصة في أيامنا هذه وذلك في ظل انهزامية تامة وخضوع مستعبد لم يسبق له مثيل"، ولا يعلمون أن علماء المسلمين في الماضي أسسوا ركائز الحضارة الحديثة.. بولوج الواحد منهم في إتقان العديد من الجوانب والتخصصات العلمية إضافة لإجادته للغات الدول ذات الشأن في العالم حينها كالفارسية والرومانية والإغريقية مثل الخوارزمي وجابر بن حيان وابن سينا وابن الهيثم وابن خلدون وغيرهم الكثير، فهم علماء "موسوعيون".. أسسوا لهذه الحضارة التي نهضت في القرون القليلة الماضية بعدما غط المسلمون في سبات عميق وتشتتوا زرافات ووحدانا بفعل تهافتهم على الشهوات، وانقساماتهم المريرة وانشغالهم بتوافه الأمور في غفلة وعدم مبالاة، بين كيد الكائدين وحقد المتربصين كما حدث في دول الطوائف في الأندلس!
ولكن حتما سيستيقظ أحفادهم قريبا -بحول الله- ويستعيدون ماضي أجدادهم ذا الريادة والسيادة بتطبيقهم لأحكام الإسلام التي شهد الأعداء بسموها قبل الأحباب، "وتلك الأيام نداولها بين الناس"(آل عمران-140)، وسيواصلون بحول الله المسيرة العادلة العاقلة بعد توقع حدوث دمار كبير للذين يحكمون العالم ويتحكمون في مصائر الشعوب المستضعفة، بالأسلحة شديدة الفتك، عظيمة الإبادة، وفقا لما يجزم كثير من خبرائهم وعلمائهم هم أنفسهم.
وشهد شاهد من أهلها!
لماذا لم يهاجم -مثلا- أولئك الملاحدة الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني العالم العالمي في الإعجاز العلمي والرقمي والبياني للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والذي أحار من يقرأ وينقب بانتقائية وحياد، ويصيخ السمع، من الغربيين والشرقيين على السواء الذين يطلعون على الحقائق من مصادرها الأصلية، من غير افتراء عليها، أو دس فيها، كالاستشراق الذي هو بمثابة "العلم في خدمة الاستعمار"! والمسألة هي مسألة وقت
فالأيام دول بين الناس كما سبق وأن أوضحنا… نعم بين الناس كافة ومنهم المسلمون الذين من أسباب إعاقة تقدمهم خنوع الجهلاء المنبهرين بالإنجازات العلمية الحديثة من العلمانيين وأنصاف أو أشباه العلماء ولا علماء، الذين لم يطلعوا على الجانب العلمي الناصع من تاريخهم المؤسس للحضارة الغربية التي سلبت أكثر مما أعطت، وظلمت أكثر مما أنصفت، وأبعدت أكثر مما قربت، وانتفى معها بالتالي؛ الأمن وراحة البال في العالم برمته، والأخبار الكارثية التي تردنا يوميا خير شاهد على ذلك إذ تنبئ بشر مستطير ينتظر معظم العالم "المتقدم" صناعيا والمتأخر أخلاقيا، إن لم تنتظر العالم بأسره! وهذا الأمر يتجلى بوضوح لمن يتابع ويقرأ ويمحص مليا من عديد الجهات وليس من جهة واحدة، وبخاصة أولئك الذين يعرفون الأوربيين والغربيين عامة عن كثب من خلال معايشتهم الطويلة لهم وعبر إجادة لغاتهم وصولا للحقيقة المعماة -عمدا وعفوا- وللمعرفة غير الضارة.
فتبين الوعي غير المنقوص بإحقاق الحق وتقديمه من غير تجزئة، ينبغي أن يسعى الناس كلهم إليه أولا وأخيرا حتى ولو عاشوا حياة بدائية ما دامت هي آمنة مطمئنة -على النقيض من حياتنا الراهنة- المهم ألا تؤدي إلى الخسران المبين كالإبادة شبه الكاملة في آخر المطاف!
يقول الشاعر:
وأف على العلم الذي تدعونه
إذا كان في علم النفوس رداها!
لابد من معالجة مكامن الضعف والقصور فينا عبر تشخيصها جيدا. لماذا هذا التراخي والخضوع حتى يتجرأ علينا دعاة المادية غير المؤهلين علميا وأخلاقيا، وغير المسلحين بالتوق لاستبانة الواقع الحق إحاطة وتجردا وإنصافا، وحتى ظن القاعدون والغافلون بنا الظنون في غمرة نشوتهم وانسحارهم بحضارة آثمة في معظم ما قدمته -برغم إنجازاتها الإيجابية المقدرة- وذلك بشهادة أبنائها من العلماء المفكرين ذوي النظر الثاقب كما سبق وأن أشرنا؟!
فمن أخطر ما كتب في هذا السبيل كتاب اسمه "موت الغرب" للمؤلف الأميركي باتريك جيه بوكانن يقول فيه: "إن الموت المقبل مريع ومخيف، لأنه وباء ومرض من صنع أيدينا ومن صناعة أفكارنا، وليس بسبب خارجي، مما يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر"!
نعود إلى لب حديثنا؛ نعم هنالك قصور عند بعض العلماء المسلمين لكن ما الذي شل حركتهم تماما وجعلهم ينسون، أو لا يطبقون قوله تعالى:
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل (الأنفال-60).
فالقوة الأولى: هي ما يتمشى مع كل عصر ومصر من مقومات الحياة الكريمة والمواكبة، في سلام ووئام مع الآخرين تحت ظلال الدعوة الهادئة، غير الدعوة الإقصائية الفظة غليظة القلب!
والقوة الثانية: هي القوة العسكرية التي كانت في الماضي رباط الخيل، واليوم هي رباط الآلات العسكرية "المتطورة".
ومن عجب أن المنافسة على اقتنائها أفرزت تباينا كبيرا بين القوى والتكتلات في عالم اليوم، وهذا التباين جائر بكل المقاييس إذ يرتكز على السعي إلى جني "المصالح العليا" مهما كان الثمن وكانت التبعات، ضاربا بعرض الحائط كل القيم والأخلاق والمواثيق والعهود!
فاهتمامات الإنسان الغربي غدت ذات توجه علماني أحادي مادي بحت، على زعم أن العلم المادي وحده كفيل بالإيفاء باحتياجات ومرتكزات الإنسانية المرجوة، سموا وعدلا ونبلا، وهذا على النقيض مما يجري الآن بين ظهرانينا -بكل أسف- من اقتتال وتنكيل وجور وظلم في وضح النهار ما يثير الخوف والقلق من مستقبل أشد ظلاما يلوح في الأفق ينتظر الجميع!
ينبغي على أهل الحل والربط من العلماء النابهين أن يعددوا مواردهم البحثية والعلمية واللغوية ليتسنى لهم نقل حقائق الإسلام الناصعة كاملة وللناس كافة، وحتى لا تكون حبيسة تراوح مكانها، تلك التي اقتنع بأسبقيتها ومساهماتها وتثبتها أولو الألباب من الذين دخلوا في دين الله أفواجا من الغربيين بعدما ارتضوا العلم حكما وبخاصة فيما يعرف بعصر العلم، حتى يعود النفع كاملا ومواكبا لتطورات الصنائع والوقائع المتسارعة، ولا يقبل الطعن والتجريح، وينبو عن التطاول الجريء والانتقاص المشين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.