- الفقراء يدخلون الجنة والأغنياء في النار
- الفقر ليس عيبا إنما العيب في الأخلاق
- الغنى غنى النفس لا غنى المال
تشبعنا بالكثير والكثير من هذه الأمثال التي قيل بعضها في غير موضعه واستخدمها البعض بطريقة خاطئة ومنها ما هو كذب وافتراء وسخافة بالغة فهذه الأمثال التي تشجع الفقير على أن يتمسك بالعفة ويتنازل عن الغنى وأقنعت المحتاج أن الغني يجلب المرض، وأن الغني لا يعيش سعيدا ولا بد أن يكون في حياته شيء سيئ كأن يكون عقيما مثلا، فتلك قصة مشهورة سمعتها مذ كنت صغيرا أن شابا تجاوز الثلاثين من عمره رزقه الله بولد وكان الأب فقيرا محتاجا وكان مجيء هذا الولد سببا كبيرا في فرحه فرحا شديدا.
فكان يحبه حبا جما وكان يحب أن يناديه الناس "أبو فلان" ولكنه كان فقيرا ذا حاجة، وكان يسير ذات مرة ومعه ولده وقابل أحد الأثرياء الذي يقود سيارة فارهة ومعه زوجة جميلة وبيده ساعة باهظة الثمن، ثم نادى عليه الغني وطلب منه ان يعطيه ولده ويأخذ كل ماله، فقال الفقير بكل أسف لا يكفيني مال الدنيا في ولدي ثم نظر إلى ولده وقال سبحان الله رغم أن المال موجود إلا أن الله حرمه من الولد إن الله عدل لا يعطي شخصا كل شيء.
ربما سمع بعضكم تلك القصة على لسان بعض الشيوخ أو بعض المثقفين أو غيرهم، فمنهم من حكاها بشكل مختلف وبدل نعمة الخلف بالصحة فأصبح الغني مريضًا وطلب من الفقير صحته ومبادلتها بالمال أو ربما سمعها البعض بشكل مختلف، والشاهد أن هذه سخافة وتفاهة، فالله لا يقسم الأرزاق بهذا الشكل وما تدار الدنيا بهذه العقلية البشرية السخيفة، ولكن تدور الدنيا بتدبير رب حكيم، فهناك غني محافظ على دينه محافظ على صحته رزقه الله الولد والزوجة الصالحة ورزق من كل شيء تشتهيه النفس، فماذا تقول عن هذا؟
من هؤلاء عثمان بن عفان وأبو بكر الصديق، ولا أحب أن أذكر أسماء معاصرة حتى لا يكثر الجدل ولكني أريد أن أقول بكل بساطة أن الله يتركك تأخذ بالأسباب حتى تصل ومن قطع طريقا بيقين وصل إلى آخره، فتقابلك تلك الاختبارات التي يمحص الله بها إيمانك ولا تفرق هذه الاختبارات بين غني وفقير، فترى بعض الفقراء امتحنه الله بالصحة وبعض الأغنياء امتحنه الله في الولد وغيرها من الاختبارات للغني والفقير على حد سواء فترى أنك مطالب أن تكفر بالفقر وتحارب للخروج منه، فتسعى وتعمل فالاجتهاد رفيق الغنى والسعي درب الأثرياء.
لست أسب الفقر أو أكرهه فلربما لم تأت للفقير فرصة أتت لغيره، وربما كان ضحية لمجتمع جاهل، وربما كان نتاج أسرة مهملة، أب غير صالح، وأم مفسدة، ولكني أسب الفقر وأكرهه فالقفر صديق الكسل ورفيق المستسلم ومكسب المهمل فيزداد فقرا فوق فقره، إني ألوم على هؤلاء الذين لا يتخذون سبيلا للغنى فالفقر عيبًا بالتأكيد وليست العيوب في الأخلاق فقط، فالفقر ليس صديق الخلق الحميدة انما الأخلاق الحميدة سبيل يقطعه الراغبون فيه سواء كان غنيًا أم فقرا، وليس صحيحا أن الغنى صديق الغرور ولو غلب على أغنياء عصرنا هذا، فهو ليس دليل على الغني، فمن أكثر ما يضحكني استعاذة البعض من أن يكون مثل الغني المغرور واستحسانه على أن يكون فقيرا متواضعًا، وأعجبي على من ظن أن الفقر صفة يتخذها سبيلا إلى سلامة الضمير وحسن الخلق وعفة النفس فتلك سخافة بالغة، بل كن ذا قيمة وإذا طلبت فأطلب الفردوس، كن غنيا متواضعا ولا تكن غيرها.
تلك من غايات الخَلق أيضًا فالإنسان لم يُخلق للعبادة فقط، بل لعمارة الأرض أيضًا، واليد العليا خير من اليد السفلى، أي أن الغني الذي يخرج مالا حبًا وخضوعا منه لله، خيرًا من الفقير الذي يأخذها ايمانًا بوجوب الزكاة، فيكونوا حققوا بذلك العبادة والعمران في آن واحد، فكن هذا الغني وساعد هذا الفقير حتى يصير غنيًا، فنصبح مجتمعًا متكاملًا، تملأه الأخوة وتربطه المودة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.