شعار قسم مدونات

ميخائيل ميلشتاين ودراسته عن الشباب الفلسطيني

الحراك الشبابي بمظاهرات بالداخل الفلسطيني لنصرة النقب
الحراك الشبابي في مظاهرات الداخل الفلسطيني لنصرة النقب (الجزيرة)

صدر العام الجاري 2022 عن دار معرخوت الإسرائيلية للنشر ومركز موشيه ديان-جامعة تل أبيب كتاب هو عبارة عن دراسة موسومة بـ "ليس هنا، ليس هناك" أعدها الدكتور ميخائيل ميلشتاين الذي يرأس منتدى الدراسات الفلسطينية بالمركز المذكور، وأيضا -وهذا مهم- هو باحث أول بمعهد الدراسة والإستراتيجية في هرتسليا الذي له دور في صياغة السياسات والقرارات الصادرة عن قادة الكيان الصهيوني، وهو يكتب باستمرار عن الشأن الفلسطيني من زوايا مختلفة سياسية وأمنية واقتصادية، كما يشارك في برامج قنوات فضائية مختلفة متحدثا بأمور في ذات السياق.

وقد قام مركز الهدهد للدراسات الإسرائيلية بترجمة الدراسة أو الكتاب إلى اللغة العربية في مايو/أيار 2022.

لمحة سريعة

النسخة المترجمة إلى العربية، التي أكتب عنها هذه المقالة، مكونة من 116 صفحة من القطع المتوسط، بما في ذلك مقدمة قصيرة وسريعة من مركز الهدهد، إضافة إلى مقدمة المؤلف، ومقدمة إضافية من الفريق احتياط (لفتنانت جنرال) جادي أيزنكوت، وهنا إشارة مهمة إلى أن العسكريين والأمنيين هم أصحاب الكلمة الأخيرة في الملف الفلسطيني؛ وينصح أيزنكوت صناع القرار في الكيان (هو ليس غريبا أو بعيدا عنهم) بالتعرف على التيارات في العمق الفلسطيني كونها التي ستقود المنظومة الفلسطينية مستقبلا، ويؤكد أن الهدف هو إدارة الصراع لا حلّه.

ومن مقدمة الجنرال المذكور يمكننا أن نستنتج ما لا يجب أن يكون فيه شك: لا سلام ولا استقرار ومجرد خطط ومهدئات تحت سقف "السلام الاقتصادي" وما شاكله من أفكار ورؤى لتقطيع الوقت.

وأيضا من نصيحته إلى "متخذي القرار" نفهم أنه ستكون هناك دراسات أخرى، بعضها قد ينشر وبعضها سيكون سريّا يتداوله قادة الجيش والمخابرات ومعاونوهم فقط.

وتنقسم الدراسة إلى 13 فصلا وتختم بـ "الخلاصة والخاتمة".

يشير المؤلف إلى أن عنوان الدراسة "ليس هنا، ليس هناك" مأخوذ من فيلم "بر بحر" من إخراج ميسلون حمود، وهي مواطنة من مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 (دير حنا) ولدت في المجر لأسرة محسوبة على التيار الماركسي، والفيلم المذكور الصادر عام 2017 حصل على جائزة في مهرجان حيفا السينمائي، وملخصه هو صراع الهوية والمعاناة من المجتمع اليهودي الإسرائيلي في تل أبيب، يتناول حياة 3 نساء فلسطينيات إسرائيليات يعشن في شقة مستأجرة في تل أبيب.

والدراسة مليئة بالمقابلات والاقتباسات من كتبة وباحثين ونشطاء وأكاديميين وصحافيين وغيرهم، سوادهم الأعظم من فلسطين، حتى يمكن أن تتخيل للوهلة الأولى أن باحثا فلسطينيا أو عربيا يمكن أن يعد الدراسة بذات الأسلوب والاقتباسات، مع فارق الاستنتاجات والتصورات والتوصيات بطبيعة الحال.

اهتمام يجب أن يوازيه مثله

هذا الاهتمام الإسرائيلي البحثي بالشأن الفلسطيني، بل وبشريحة هي الفاعلة والناشطة في الميدان (الشباب) طبيعي من احتلال يعمل ليل نهار على تهويد الأرض الفلسطينية بالمستوطنات والمصادرة، ومشغول بسياسة "كيّ الوعي" لدى الجمهور الفلسطيني، ويضع سيناريوهات عمل مرنة تكتيكيا، ثابتة إستراتيجيا، يجب أن يوازيه اهتمام مماثل فلسطينيا.

وأحسن مركز الهدهد بترجمته السريعة للدراسة، لأن كثيرا من الترجمات من العبرية إلى العربية يكون قد مضى على النص الأصلي (العبري) وقت يصبح فيه تاريخا.

وينبغي الاستفادة منها من زاوية "كيف يفكر بنا العدو؟ وما هي خططه التي يمكن أن نقرأها بين السطور؟ بل أحيانا يفصح عنها ضامنا أننا لا نقرأ، أو لا نفهم، أو أن القارئين ليسوا أصحاب القرار في الوحدات السياسية والمجتمعية المؤثرة". هذا على عكس الكيان الذي يتواطؤ فيه الصحفي والباحث والأكاديمي مع الجندي والضابط بالجيش والمخابرات لبلورة السياسات والسير نحو الأهداف التي يريد هذا الكيان تحقيقها.

ونلحظ من فكرة الدراسة بحد ذاتها اتباع المنهج العلمي الذي تبنى عليه القرارات والخطط والسياسات، وليس الانطباعات التي يخال بعضنا أنها هي المتحكم بتصرفات الكيان الصهيوني وقادته وجيشه وأمنه.

فبعضنا قد يسمع كلمات من جنود على حاجز، أو من (معلمه) الإسرائيلي اليهودي في الداخل بورشة العمل، أو أي مكان آخر، تتعلق بالصراع والفكرة عن العرب وغير ذلك، فيظن أن القوم يتخذون السياسات ويصوغون القرارات بناء على مثل هذه الانطباعات التي سمعها من هنا وهناك، وليس بناء على معلومات استخبارية أولا: (الأشخاص وما يتعلق بهم وصولا إلى المجتمع وما يخصه من سياسة واقتصاد وظروف مختلفة) وثانيا: دراسات وأبحاث أكاديمية تحلل الظواهر وتسعى لتفسيرها وتضع التساؤلات، بما يخص عمق مجتمع وبنية العدو (العدو هنا بالنسبة إليهم نحن بلا ريب).

وأشير إلى أن الترجمة حوت على العديد من الأخطاء الإملائية والنحوية، والتي آمل أنه في نسخ قادمة أن يعمل مركز الهدهد على تصحيحها.

ومن الأمور التي يجب أن توازي الاهتمام المشار إليه ضرورة وجود دراسات تتعلق بمجتمع الكيان الصهيوني لا تقوم على الأفكار القديمة (لأن هناك تغييرات حادة في مجتمعهم) مع علمي بصعوبة ذلك؛ فالأمر يحتاج إلى تمويل كبير نسبيا، وهناك حاجز اللغة مع إمكانية تجاوزه، كما أنهم مجتمع عنصري بجميع مكوناته يمتاز بالاستعلاء العنصري ومسكون حتى أخمص قدميه بالهواجس الأمنية الصرفة.

من هو جيل الشباب الفلسطينيين؟

تستهدف الدراسة جيل الشباب الفلسطيني من فئتين عمريتين، في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تركيز أعلى على هذا الجيل في الضفة :-

  • أ: من ولدوا في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.
  • ب: من ولدوا بعد عام 2000

وتتناول الدراسة كيفية تبلور وعي وفكر هذا الجيل بطريقة مختلفة عن آبائهم وأجدادهم، ودور وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، وانتشار التعليم العالي.

هبة القدس

يتحدث ميلشتاين عن هبة القدس عام 2015، وميزات جيل الشباب الذين قاموا بها، مستندا بالطبع إلى آراء صحافيين وخبراء فلسطينيين، ويخلص إلى أن هؤلاء "شباب ليس لهم ماض أمني أو جنائي، عاديون… طلبة وأبناء عائلات مستقرة".

وحسب رأي المؤلف فإنه ورغم كون العمليات موجهة ضد إسرائيل، ولكنها تعبر عن معارضة شديدة للسلطة الفلسطينية (ص59).

ويخلص الكاتب إلى: احتمالات عودة الأحداث التي جرت عام 2015 لا تزال قائمة، وربما أكبر مما كانت عليه في الماضي (ص61).

ملاحظة: للتذكير فإن هبة أو انتفاضة القدس اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2015 بعد أسابيع من إحراق عائلة دوابشة على يد مستوطنين في قرية دوما قرب نابلس، وتكثيف الاعتداءات والاستفزازات بالمسجد الأقصى بعد جريمة الحرق، وقد تميزت الهبة بعمليات طعن ودهس وأحيانا إطلاق نار ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، وتراجعت حدة وكثافة واستمرارية الأحداث بعد شهور، ولكن ظلت العمليات تقع بين الفينة والأخرى.

أرقام مختلفة

يقدم الكاتب العديد من الأرقام والنسب المئوية المتعلقة بموضوع الدراسة، وما يتفرع عنها مثل:-

  • في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيش ما يقارب 5 ملايين فلسطيني، منهم 2.76 مليون في الضفة و2.1 مليون في غزة.
  • %48 من هؤلاء من الفئة العمرية 19 عاما فما دون.
  • %67 من السكان من الفئة العمرية 29 عاما فأقل.
  • نسبة الشباب 38%.

ويشير بناء على استطلاعات رأي وغيرها من أدوات القياس والبحث أن الشباب من الفئة العمرية (15-29 عاما) يعانون من عدم الاستقرار في حياتهم وعدد هؤلاء 800 ألف في الضفة الغربية، و580 ألفا في قطاع غزة.

  • هناك 40 ألف خريج سنويا، بينما نسبة التشغيل للخريجين أقل من النصف.
  • %54 من الخريجين إما عاطلون عن العمل، أو أنهم يعملون في مجالات ومهن لا تتناسب إطلاقا مع تخصصاتهم.
  • %60 من الفلسطينيين يتلقون الأخبار من فيسبوك وتويتر، و30% من التلفزيون. ويتحدث ميلشتاين في هذا السياق عن الدور البارز للعالم الافتراضي في هبة القدس.

النساء والناشطات

يتطرق ميلشتاين الدراسة إلى النساء والشابات الفلسطينيات ودورهن في النضال ضد الاحتلال، ويتحدث عن نسبة حضورهن في سوق العمل والتعليم والوظائف المختلفة.

ولا يفوت الكاتب التحدث عما يسمى "العنف داخل الأسرة" مستشهدا بحادثة شغلت الرأي العام الفلسطيني عام 2019 وهي مقتل الفتاة إسراء غريب والتي اتهم أفراد من أسرتها بقتلها لعدم رضاهم عن نشاطها، وعرضوا على القضاء الفلسطيني.

كما يتحدث عن الاحتجاج على وثيقة سيداو.

ويورد أسماء شخصيات نسوية بارزة في مجالات مختلفة: ليلى غنام التي تتقلد منصب محافظ رام الله والبيرة، وهي المرأة الوحيدة التي تتبوأ هذا المنصب، وأمل جادو وحنان الحروب.

شخصيات ناشطة.. خطأ

حتى لا يظنن أحد أن الدراسات والباحثين الإسرائيليين لا يقعون في الخطأ ليس فقط في الاستنتاجات بل المعلومات المقدمة؛ ففي الفصل العاشر في معرض الحديث عن شخصيات فلسطينية شابة قيادية وميزاتها يتحدث عن أحمد أبو ارتيمة من قطاع غزة وهو كاتب وناشط، فيقول إن الشاب المذكور هاجر إلى الولايات المتحدة (ص82) وواصل العمل لخدمة القضية الفلسطينية.

والحقيقة أن "أبو ارتيمة" سافر في زيارة ضمن نشاطه إلى الولايات المتحدة ومكث مدة قصيرة نسبيا وعاد إلى غزة، ونوّه إلى ذلك في صفحته على فيسبوك بعد اطلاعه على ما أوردته الدراسة بشأنه.

ولا يقتصر حديث ميلشتاين عن شباب قادة أحياء بل عن شهداء مثل: باسل الأعرج وأحمد نصر جرار.

النكبة حاضرة بوجدان الشباب الفلسطينيين

يقرّ ميلشتاين في الفصل 12 بأن النكبة رمز وطني جامع لكل الفلسطينيين، وأنه كلما ابتعد الفلسطينيون عن الحدث التاريخي نفسه (عام 1948) فإن قوة الذاكرة تزداد على الأغلب لدى الأجيال التي لم تعش التجربة عمليا (ص 92) وأن ذكريات النكبة تنتقل من جيل إلى جيل.

ولكنه يرصد تقلص عدد المشاركين في إحياء ذكرى النكبة، ويعزو الأمر إلى ما يعتبره ظاهرة الابتعاد عن الأيديولوجيات السائدة (ص98).

ولكنه يحذر من "القوة الكامنة في الذاكرة الجماعية للنكبة لا تزال ساكنة في عمق الوعي الجماعي للفلسطينيين، وفي أوقات مناسبة قد تنفجر هذه الذاكرة من جديد" (ص 99).

الربيع العربي والفلسطينيون

وفي الفصل 12 أيضا تناقش الدراسة أسباب عدم انطلاق أو اندلاع موجة ربيع عربي على غرار الدول العربية المجاورة والبعيدة في الضفة والقطاع، ويرى أنها تشبه عدم اندلاع انتفاضة ثالثة، مع الخوف من الفوضى التي عمت أجزاء من العالم العربي والذاكرة المردوعة.

ولكن هناك سبب آخر -حسب الدراسة- وهو أن الربيع العربي قد يكون امتدادا للانتفاضات الفلسطينية، وأنه لا داعي أن يقلد الفلسطينيون شيئا هم أول من بادر إلى صنعه وسبقوا به الآخرين.

خلاصة وخاتمة

بعد الاستعراض المطوّل -الذي شمل 13 فصلا في الدراسة، وما حواه من معلومات وأرقام وأسماء وآراء وتعريج على أحداث شتى- يخلص ميلشتاين إلى أن جيل الشباب الفلسطينيين الحالي مختلف عن الأجيال التي سبقته لأسباب عدة أهمها :-

  • الانكشاف على العالم الخارجي وتأثير العالم الافتراضي وتراجع تأثير الأسرة (الأب والأم والحي والقبيلة).
  • هذا الجيل لا يتبنى الأيديولوجيات والنظريات الثورية، وهو غير مؤدلج وغير مسيس، وهو جيل يزداد تأييده لمبدأ الدولة الواحدة.
  • مع الفارق الكبير بين الجيل الحالي والسابق في مجالات الثقافة والتوظيف، إلا أنه يواجه صعوبة في النجاح بتحقيق أهدافه وفق التحصيل العلمي إضافة إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية.

وتخلص الدراسة إلى أن الشباب الفلسطينيين ليسوا مؤثرين على المستوى العام، خاصة السياسي، كما أن هذا القطاع ليس له إطار تنظيمي جامع أو قيادة تديره وهو ليس مجموعة متجانسة.

ويعترف ميلشتاين بأن فرضية ميل الجمهور الفلسطيني إلى الانشغال بالحياة اليومية سيستمر فترة طويلة من الزمن هو (وهم) لأن نظرية السلام الاقتصادي قد تختفي بسرعة.

وكدأب مجموعة من الكتبة وحتى الساسة وضباط الأمن الإسرائيليين، يتبنى ميلشتاين سيناريو سيطرة حماس على كل الضفة الغربية أو اجزاء منها. بالطبع هذا السيناريو يهدف لإطالة أمد الانقسام وإذكاء نار العداوة داخليا، حيث إن الضفة لا يسيطر عليها أي حزب فلسطيني لأنها محتلة مستباحة وتتعرض لنهش الاستيطان المتمدد، حتى في ظل وجود سلطة فلسطينية عمودها الفقري فتح، ولا يكف الإسرائيلي أيا كانت صفته عن تنقيط السمّ في كل مناسبة.

ويرى ميلشتاين أن جدول الأعمال الفلسطيني ينعكس إستراتيجيا على إسرائيل، ويشير إلى عدة ملفات فلسطينية داخلية.

ويرى الكاتب أن على إسرائيل التعاون، مع جهات فلسطينية وعربية ودولية، لإيجاد ردود حصرية على التحديات المتعلقة بالشباب الفلسطينيين.

ويقترح ميلشتاين حلولا تستند إلى عدة مركبات:-

  • تخفيف الضائقة الاقتصادية لأبناء الجيل الشاب من خلال توفير مزيد من تصاريح العمل في إسرائيل، والمستوطنات والمناطق الصناعية أو في دول الخليج النفطية. نلحظ هنا نَفَس السلام الاقتصادي، وفكرة إلهاء الشباب عن مقاومة الاحتلال، وأيضا التهجير الطوعي لهم.
  • توسيع اللقاءات بين قطاع الشباب الفلسطيني والإسرائيلي هي دعوة للتطبيع ولقاء الجلاد بالضحية قبل الإجهاز عليها، فكل شباب إسرائيل جنود في الجيش بواقع الحال القائم في الكيان.
  • التأثير بالوعي العام من خلال المناهج، هو يقصد الوعي الفلسطيني، وكما قلت في موضع سابق من مقالتي هذه: هم منشغلون بفكرة كيّ وعي الفلسطينيين.
  • تحسين وضع الشباب في غزة، وهو لم يقدم فكرة متكاملة وترك الأمر مفتوحا على احتمالات شتى.

وفي النهاية يؤكد ميلشتاين أن استقرار المنظومة الفلسطينية مصلحة إسرائيلية، وهذا يعني بالضرورة تدخلات إسرائيلية لتحقيق ما تراه استقرارا.

ويبقى الرهان على نفس الفئة (الجيل الشاب) الذي كان موضوع ومحور الدراسة التي أنصح كل من له اهتمام بالشأن الفلسطيني أو الإسرائيلي قراءتها، متوخيا الحذر، فهؤلاء سواء ميلشتاين أو غيره في النهاية يخدمون المشروع الصهيوني وأهدافه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.