شعار قسم مدونات

المعرض الدولي للكتاب بالرباط تجربة في ظروف استثنائية

"الإرث الأندلسي" يجذب جمهور المعرض الدولي للكتاب بالمغرب
جانب من المعرض الدولي للكتاب بالمغرب (الجزيرة)

افتُتحت فعاليات المعرض الدولي للكتاب بالرباط في الثاني من يونيو/حزيران الجاري بحضور وزير الثقافة والشباب والتواصل المهدي بنسعيد، إضافة إلى شخصيات سياسية من دول متفرقة. أما بخصوص الافتتاح الفعلي للمعرض أمام عموم المواطنين والمواطنات فقد كان في الثالث من الشهر ذاته ابتداء من الساعة العاشرة صباحا.

في الطريق إلى المعرض، وعلى بعد أمتار منه، تظهر بنايته شامخة بادية للعيان، تبدو من بعيد وكأنها قبة لامعة. في المدخل الرئيسي، تنتصب ثلاث غرف مخصصة لبيع التذاكر، وحُددت تعريفة الدخول في 10 دراهم للعموم، و5 دراهم للطلبة والأطفال.

خارج شبابيك التذاكر، تقف سيارتان للشرطة، إضافة إلى عدد مهم من أفراد الأمن الوطني حفاظا على السير العادي لأجواء المعرض، وحرصا على أمن الزوار والمرافقين. بعد أن يقوم الزائر بحجز تذكرته، يتوجه صوب أبواب إلكترونيةٍ حتى يقدم التذكرة للفريق المكلف بحراسة المدخل. وهنا تبدأ الجولة الفعلية داخل المعرض.

قُسم المعرض إلى ست قاعات كبرى: A وB وC وD وE وF، كل ثلاث قاعات متصلة فيما بينها حتى يتسنى للزوار التجول بحرية وفي حيز مكاني أكبر دون الاضطرار إلى مغادرة القاعة في كل لحظة وحين. كما أن هناك أربع قاعات إضافية مخصصة للندوات واللقاءات الفكرية. بمجرد ولوجي إلى أول قاعة أحسست بنسمة ريح خفيفة باردة تلامس وجهي، رفعت رأسي لأبحث عن مصدرها لأكتشف الكثير من محطات التكييف المنتشرة في جميع أركان المعرض.

ودائما مع الجانب التنظيمي، لاحظت انتشار الكثير من الشابات اللواتي يرتدين بدلات سوداء أنيقة يقفن عند مدخل كل قاعة من أجل إرشاد الزوار إلى وجهاتهم، والإجابة عن تساؤلاتهم. هذا دون أن أغفل الوجود المكثف لأفراد الوقاية المدنية وهم مستعدون للتدخل في حالة وقوع أي طارئ.

لقد تحدثت هنا عن بعض الجوانب التنظيمية الجيدة لهذا الحدث السنوي المميز، والذي تم في ظروف استثنائية؛ ظروف الخروج من الأزمة الصحية لكوفيد-19، إضافة إلى ظروف عدم الوضوح وغياب اليقين الذي صاحب متحورات هذا الفيروس.

لكن على الجانب المقابل، لاحظت شخصيا بعض النواقص، أهمها عدم تزويد الزوار بخريطة تمكنهم من تتبع خطواتهم وتوضح موقع دور النشر داخل القاعات والأروقة. استفسرت عن الخريطة أكثر من مرة دون جدوى، ونتيجة لذلك كنت أضطر إلى الخروج من القاعات إلى الساحة الرئيسية لأراجع الخريطة حتى أتمكن من إيجاد دور النشر التي أرغب في التوجه إليها. كما لاحظت، في مقارنة بمعرض الدار البيضاء، أنه تم تقليص حجم الأروقة المخصصة لدور النشر، الشيء الذي تسبب أحيانا في ازدحام شديد داخل الأروقة.

أيضا من بين الأمور غير المفهومة تخصيص مساحات كبرى لبعض المؤسسات التي ليست لها علاقة مباشرة بعالم النشر والكتاب، من قبيل الوزارات والبرلمان والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وجهات إعلامية معينة. وبخصوص دور النشر، لاحظت غياب دور نشر كبرى عن المعرض هذه السنة من قبيل دار الطليعة اللبنانية، والمركز القومي للترجمة المصري، ومنشورات مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. وهي دور نشر تسهم في تأثيت الساحة الثقافية العربية، وغيابها ترك فراغا.

وفي السياق نفسه عاينت أروقة أهم دور النشر المشاركة، واكتشفت أن الكثير منها لم تُحضر إصداراتها الجديدة، التي كانت مُنتظرة هذه السنة، بل اكتفت فقط بإصداراتها القديمة التي تكرّر إحضارها في السنوات الماضية. وحين استفسرت عن سبب غياب الإصدارات الحديثة، أجابني بعض العارضين بأن وزارة الثقافة لم تُخبر دور النشر بقرار تنظيم المعرض إلا في وقت متأخر، الشيء الذي تسبب في إرباك عملية شحن الكتب، وأنه ربما قد تصل شحنات من الكتب قُبيل تاريخ نهاية المعرض.

لكن بشكل عام، وهذا رأيي الشخصي بكل تأكيد، يمكنني القول إن وزارة الثقافة استطاعت إنشاء معرض للكتاب في ظروف استثنائية وفي وقت قياسي. كنت من جهة ممتنا جدا لعدم إلغاء المعرض للسنة الثانية على التوالي، وأيضا للجوانب التنظيمية الجيدة. لكن من جهة أخرى لم ترقني بعض التفاصيل من قبيل امتناع بعض دور النشر عن تخفيض أثمنة الكتب، إضافة إلى ما ذكرت سابقا. وتظل الكلمة الأخيرة للزوار ليقرروا مدى نجاح هذه التجربة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.