للوجود فلسفة، وللنفس فلسفة، ولكل شيء فلسفة، حتى الضحك له فلسفة يصحبنا الأديب الكبير عباس محمود العقاد في رحلة مع أفلاطون وأرسطو وجحا، ليكشف لنا عن أسرار هذه الفلسفة التي ترسم السعادة على وجوهنا إذا ما عانقتها.
يرى العقاد أن المضحكات ليست بالقليلة، لكن الذين يحسنون صناعة الضحك هم القليلون، ويعرّف أديبنا الضحك بأنه:
ملكة إنسانية فلا يضحك إلا إنسان،
وما من شيء يضحكنا إلا أن يكون إنسانيا.
جاب "راهب محراب الأدب كما يحلو للبعض أن يسمي العقاد" مدينة أفلاطون الفاضلة التي كان يبحث فيها عن المضحكين والمضحكات، فوجد أن الإنسان الكريم يأبى أن يستسلم للضحك لأنه يحاكي الجهلاء، لكنه يستسلم للضحك حين يقرأ أو يشاهد رواية هزلية على المسرح، لكن أرسطو كان له رأي آخر حيث اعتبر أن الملهاة تطهر النفس.
أما الشخصية الشهيرة بمواقفها الضاحكة (جحا) فإن العقاد يستبعد أن يكون "جحا" شخصا واحدا تنسب له كل هذه النوادر، ويذهب إلى أن هناك أكثر من شخص يلقب بهذا الاسم (جحا)، فقد يكون جحا صاحب الذكاء النادر والطبع الساخر الذي يتندر على البلاهة، وفي موقف آخر قد يكون جحا شخصا تتمثل فيه الحماقة بغير مراء، ويستحيل أن تصدر هذه النوادر عن شخصية واحدة لتباعد البيئات زمانيا ومكانيا، فقد يروى بعضها عن فارس والبعض الآخر عن بغداد أو الحجاز أو آسيا الصغرى، ويتساءل العقاد: كيف يمكن أن يصدر كل ذلك عن شخص واحد؟ وللتدليل على رأيه ساق العقاد أكثر من 60 نادرة من نوادر الذكاء والحكمة والحماقة.
وسنعرف جحا حقا حين نعرف لماذا يضحك الناس جميعا بلا اختلاف، ونعرف لماذا يضحكون من شيء دون شيء ومن إنسان دون إنسان، وسنجد جحا واحدا ولكنه جحا الناس أجمعين.
وعن الأمم الضاحكة التي تقترن فيها الحكمة بالفكاهة بأسلوب تمتزج فيه السخرية بالتهكم والدعابة، قدم العقاد نموذجين لأمتين في الشرق وأخريين في الغرب تشتهر إحداهما بالضحك والأخرى بالجهامة.
وفي الشرق يعتبر العقاد الأمة الفارسية أمة مشهورة بالنكات، فيما اليابان مشهورة بالكد والدأب.
أما في الغرب فالأمة الفرنسية تتمتع بالفكاهة والدعابة، في حين أن الأمة الألمانية تتسم بالجد والجهامة.
وتطرق العقاد إلى أنواع الضحك، فقسمه بين ضحك السرور والرضا وضحك السخرية والاستهزاء، وهناك ضحك المزاح والطرب وكذلك ضحك العجب والإعجاب، كذلك هناك ضحك العطف والمودة، كما أن هناك ضحك الشماتة والعداوة، وأكد أن فنون الضحك والفكاهة لا تحصى.
وفي أيامنا أخذ التعبير عن الفكاهة والضحك أشكالا مختلفة، حيث أسست العديد من أندية الضحك في أماكن عدة من العالم حتى أن بعض شركات الطيران تعيّن مهرجين للترويح عن الركاب وإضحاكهم ومساعدتهم على التغلب على مخاوفهم أثناء رحلات الطيران الطويلة.
كما ظهر مؤخرا التسويق بالضحك، وقامت مجموعة متخصصة في العلاج الجماعي للانهيار العصبي بتشكيل فرقة للضحك هدفها مساعدة هؤلاء الأفراد على تجاوز آلامهم النفسية، وشهدت مدينة بال السويسرية في عام 1997 أول مؤتمر عالمي مخصص للفكاهة والعلاج النفسي، وظهرت عدة كتب تحمل عناوين مختلفة عن الضحك مثل "الضحك خير دواء"، و"العلاج بالضحك"، و"الفكاهة من أجل الشفاء"، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ظهرت قنوات فضائية مخصصة بشكل كامل للضحك.
وهناك برامج سياسية ساخرة تسمى "ستاند أب كوميدي" ومواقع عربية وعالمية على شبكة الإنترنت مخصصة للفكاهة والضحك، كما توجد مواقع لرسامي الكاريكاتير والكوميديا، وفي منصات التواصل الاجتماعي ظهر الضحك بشكل جديد أطلق عليه "الكومكس".
ويرى أطباء عديدون أن الضحك لا يفيد في مواجهة الضغط النفسي فقط، بل يعمل على تنشيط الجهاز المناعي والحد من آثار الشيخوخة والتقليل من احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية وتحسين الوضع النفسي والجسمي للإنسان بشكل عام، مما يجعله أكثر تفاؤلا وإقبالا على العمل والحياة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.