بتاريخ 4 مايو/أيار 2022 وكما كان متوقعا رفع الفدرالي الأميركي سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة إلى نطاق ما بين 0.75-1%.
هذه الزيادة الكبيرة التاريخية في سعر الفائدة وكما كان متوقعا لها أثرت سلبا وبشكل مباشر على أسواق الأسهم العالمية، فخسر مؤشر داو جونز ألف نقطة بعيد الإعلان عن هذه الزيادة مباشرة، ولحقت به باقي المؤشرات، فخسر ناسداك 500 نقطة و"إس آند بي" (S&P) 166 نقطة.
ولم تكد الأسواق العالمية تستفيق من آثار هذا الرفع حتى جاء تقرير البطالة الأميركية لأبريل/نيسان 2022 ليعلن عن الحفاظ على معدل البطالة ثابتا عند 3.6% للشهر الثاني على التوالي، أي عدم قدرة الاقتصاد الأميركي على خلق وظائف جديدة خلال هذا الشهر، مما يلمح إلى بدء دخول الاقتصاد الأميركي في حالة من تباطؤ النمو ربما تتطور إلى كساد لاحقا، وهذا التقرير عزز متاعب أسواق الأسهم العالمية بشكل كبير أيضا.
وبغض النظر عن السبب المعلن لرفع سعر الفائدة ألا وهو كبح جماح التضخم التاريخي الحاصل في أميركا إلا أنه من الحكمة معرفة الآثار السلبية والإيجابية لهذا الرفع، وذلك للإلمام بالنتائج التي قد تترتب عليها في الأشهر القادمة.
ومن الآثار الإيجابية لرفع سعر الفائدة: سحب فائض السيولة النقدية من الأسواق لكبح جماح التضخم، ورفع قيمة الدولار الأميركي نسبة إلى باقي العملات المحلية، وتصحيح حركة الأسواق العالمية، وتخفيض تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي.
إذن، فرفع سعر الفائدة هو إجراء يلجأ إليه الفدرالي الأميركي، لتصحيح الأسعار والحد من التضخم وإعادة عجلة وتكاليف الإنتاج إلى الاتجاه الصحيح.
أما الآثار السلبية لرفع سعر الفائدة فقد تكون أحيانا كارثية وذات أبعاد اقتصادية أعمق، وهذه بعض الآثار السلبية: رفع تكلفة الاقتراض أو الوصول إلى التمويل، خاصة بالنسبة للدول النامية، وانخفاضات حادة في حركة الأسواق العالمية، وانهيار أسعار بعض العملات المحلية وغير المرتبطة بالدولار الأميركي.
آثار تغير سعر الفائدة على أسعار الذهب
ترتبط أسعار الذهب عادة بعلاقة عكسية مع سعر الفائدة، فبحسب الافتراضات أو سير حركة الأسواق بعد كل عملية رفع لسعر الفائدة يتجه المستثمرون في الأسهم والذهب لبيع هذه الاستثمارات وإيداعها في البنوك للحصول على فوائد وعوائد عالية، وهذا التوجه سيخلق فائضا في العرض من الذهب، وبالتالي من المنطقي أن ينخفض سعره.
لكن ما يحصل الآن -خاصة بعد الحرب الأوكرانية- قد لا يتطابق مع سياق هذه النظرية، بل أحيانا يعاكس جميع التوقعات كما حصل الآن بعد رفع سعر الفائدة، حيث حقق سعر الذهب ارتفاعا بعد الإعلان عن سعر الفائدة الجديد.
إن السلوك الاقتصادي البشري بعد أزمة كورونا أولا وحرب أوكرانيا ثانيا خلق توجها جديدا لدى المستثمرين من ناحية التحفظ والبحث عن الاستثمارات الآمنة التقليدية من جديد.
إن انعدام الثقة وغياب الرؤية الواضحة لمستقبل الأسواق العالمية والشعور بعدم قدرة الحكومة الأميركية الحالية على خلق بيئة استثمارية مستقرة في الأعوام القادمة خلق شعورا بضرورة التوجه إلى الاستثمارات التقليدية ذات القيمة الضمنية، كالذهب والعقارات والمعادن الثمينة، وهذا الأمر انعكس سلبيا على أسواق العملات الرقمية أيضا.
هل سينجح رفع سعر الفائدة بكبح جماح التضخم؟
يرتبط التضخم التاريخي الحاصل حاليا بعدة عوامل: عدم تعافي الاقتصاد من جائحة كورونا بشكل كلي، مشاكل سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الشحن عالميا، ارتفاع أسعار الوقود عالميا والناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية عالميا.
وبالتالي، فإن أسباب التضخم الحاصل حاليا هي أسباب خارجية بالأساس، ولا علاقة لها بفائض السيولة النقدية في الأسواق فقط، وليس من المتوقع أن يعالج رفع سعر الفائدة وحده مشكلة الغلاء والتضخم الحاصل حاليا، بل على العكس من الممكن أن تساهم الآثار السلبية لرفع أسعار الفائدة في خلق مشاكل بنيوية جديدة في الأسواق، كخلق فقاعة عقارية جديدة، وفقاعة في أسعار المعادن الثمينة، والأيام والأسابيع القادمة كفيلة بتوضيح نجاعة هذا القرار من عدمه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.