ها هو قد حل علينا شهر كريم.. زائر لطالما ننتظر زيارته التي تأتينا كل عام.. يأتي ومعه من الهدايا والعطايا الربانية التي يهديها لجميع المؤمنين والمؤمنات في كل أرجاء الدنيا.. إنه شهر رمضان الكريم.
هذا الشهر الذي قال عنه المصطفى -صلى الله عليه وسلم – وهو يهنئ الأمة بحلوله "أَتاكُمْ رَمَضان شَهْرُ بَركةٍ يَغْشاكُمُ اللَّهُ فيه فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطَّ الخَطايا وَيَسْتَجيبُ فيه الدُّعاءَ وَيَنْظُرُ اللَّهُ تَعالى إِلى تَنافُسِكُم وَيُباهي بِكُمْ مَلائِكَتَه فَأَروا اللَّهَ تَعالى مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْراً فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فيه رَحْمَةَ اللَّهَ عزَّ وَجَلَّ".
ومع حلول هذا الشهر المبارك شهر العبادة والتقرب إلى الله تعالى كان ولابد من أن نتحدث عن الآداب والذوقيات الخاصة به، وما هي الأصول الواجب مراعاتها واتباعها في التعامل والعبادة لكي نحظى بما فيه من الخير الوفير والعظيم.
مبارك عليكم الشهر
يفرح المسلمون في كل أرجاء الدنيا بقدوم هذا الشهر الكريم.. رمضان المبارك، ونجدنا نتابع بشغف ولهفة لحظة إعلان أن "غداً هو أول أيام شهر رمضان المبارك.. أعاده الله علينا وعلى الأمة بالخير واليمن والبركات" نعم كم سمعنا مثل تلك العبارة وهي تُردد على مسامعنا وكم كنا ومازلنا نسعد بذلك.
والإسراع هنا بالتهنئة به، ومعايدة الأهل والأصدقاء والمسلمين عامة، لهو من أولى الذوقيات التي يجب أن تراعى في هذا الشهر الكريم.
فمن أصول الإتيكيت هنا أن يتم إرسال رسالة معايدة أو تهنئة عبر الهاتف أو أي من وسائل التواصل المختلفة مثل واتساب أو فيسبوك وغيرهما. كما أنه لابد من التهنئة اللفظية بقول "رمضان كريم" أو "مبارك عليكم الشهر" وذلك إذا كنت في مكان عمل أو قابلت أحد الجيران أو المعارف والأصدقاء فعندئذ تلقي عليه بالتحية ثم تتبعها بالتهنئة.
أفكار جميلة محببة
أذكر أنه كانت لي صديقة، وفي أول ليلة من رمضان كانت تقوم بصنع كرات من التمر المغلف بجوز الهند وتضعه في أطباق من البلاستيك وتغلفه ثم تقوم بتوزيعه على جاراتها.. كم كان ذلك رائعاً حقاً أن يكون استقبال هذا الشهر الكريم بإدخال السرور والتهادي الجميل.
إن رمضان هو شهر التسامح والمغفرة، فمن الإتيكيت والآداب الخاصة به أن نتسامح ونتغافر ونسعى لإزالة أي شحناء أو بغضاء في النفوس.
إن رمضان -هذا الزائر الكريم- يساعدنا كثيراً في ذلك، فمن الأفكار الرائعة التي شاهدتها بنفسي قيام إحدى السيدات، في أول أيام رمضان، بتوزيع ورود -على كل جاراتها العربيات وغير العربيات- ملصق بها عبارة "رمضان مبارك" وبعضها بالإنجليزية ""Ramadan Mubarak وكم كان ذلك مبهجاً وسارّاً للجميع لما فيه من توطيد للعلاقات وزرع الألفة ورسالة محبة أيضاً.. فهنيئاً لتلك السيدة الرائعة وهذا التعامل الراقي.
إني صائم
يتوجب علينا كذلك في هذا الشهر الكريم أن نتجنب الإساءة أو الإهانة لمن حولنا سواء قولاً أو فعلاً، فلا يليق بنا أن نَسُبَّ أو نشتم بل علينا أن نحافظ على صيامنا من أن يخدشه شيء من هذا القبيل، إنه من الذوقيات النبوية المرتبطة تحديداً بهذا الشهر والتي يعلمنا إياها نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- حينما قال "إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ".
إذن علينا أن نتجنب الكذب والكلام الفاحش والدخول في مشاكل وما قد يؤدي إلى شجار، فلا ترتفع أصواتنا من صياح أو صراخ، وذلك وصيته -صلى الله عليه وسلم- بقوله "وَلا يَجْهَلْ". ويكتفي الشخص في حال تعرضه لمثل ذلك بأن يقول: أني صائم.
صياماً مقبولاً وإفطاراً شهياًّ
إن من الأمور المميزة لشهر رمضان العزومات واجتماع الأهل والأصدقاء تلبية لدعوة الإفطار. لذا كان ولابد أن ننوه إلى الإتيكيت الخاص بتلك العزومات الرمضانية والأصول الواجب مراعاتها واتباعها:
لابد للمضيف أو صاحب الدعوة ألا يفاجئ المدعوين بدعوتهم للإفطار في نفس اليوم وإنما يكون ذلك قبل اليوم المحدّد بوقت كافً أقلها يوم. ليس من اللائق الوصول بعد رفع أذان المغرب، وإنما يفضل أن يصل الضيوف قبل موعد الإفطار بوقت قليل لا يتجاوز النصف ساعة.
ومن الجميل أن تكون هناك فرصة لقول بعض الأدعية قبل الإفطار مما يخلق جواًّ روحانيًّا رائعاً، أيضاً من الممكن أن تعرض إحدى المدعوات على ربة المنزل المساعدة معها في تجهيز السفرة وخاصة إذا كانت من الأقارب.. وهذا أيضاً من الإتيكيت.
وعلى ربة المنزل أن تحاول الانتهاء من تجهيز الأصناف المختلفة وذلك قبل رفع الأذان وأن تكون سفرة الطعام جاهزة ومعدّة بالأطباق والأدوات الخاصة بالمائدة، ولا يتبقى فقط إلا إنزال الأطباق الساخنة عند موعد الإفطار.
تجنب الحديث في المواضيع الخلافية والتي قد تزعج بعض الأفراد أثناء تناول طعام الإفطار. ومن اللباقة أن يشكر الضيوف ربة المنزل ويثنوا على الطعام المُعد وأيضاً الدعاء لهم -أصحاب الدعوة- بدعاء النبي الكريم عليه الصلاة والسلام "أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ".
ومن الإتيكيت أيضاً عند تلبية الدعوة للإفطار أن يتم اصطحاب هدية ملائمة للشهر الكريم مثل حلويات رمضان الشرقية كالكنافة والبسبوسة والقطائف وغيرها، وعلى ربة المنزل أن تقوم بفتح الهدية وإظهار الامتنان لذلك وتقدِّم منها لضيوفها المدعوين إلى جانب ما أعدته هي من حلوى أخرى.
وليس من اللائق أن يتم تناول الإفطار ثم الذهاب والانصراف مباشرة، وإنما لابد من الجلوس بعدها لبعض الوقت، وليكن حتى صلاة العشاء، لتبادل أطراف الحديث ثم الانصراف بعدها للصلاة، ولكي تكون هناك فرصة أيضاً لربة المنزل أن تأخذ قسطاً من الراحة، وكذلك العبادة حيث إن رمضان هو شهر العبادة والتقرب إلى الله تعالى والتنافس في طاعته سبحانه.
التخلّي والتحلّي
وأخيراً لنجعل من رمضان فرصة نستثمرها في تزكية نفوسنا، وهذا الشهر بمثابة الدورة التدريبية التي يدخل فيها الإنسان، ويستطيع بها أن يتخلى عن سلوكيات سلبية، وكذلك التحلي بأخلاق وسلوكيات إيجابية من خلال ممارستها خلال الـ 30 يوماً، ومن ثم التعوّد عليها إلى أن تصبح سلوكاً مُمارساً، فعلماء النفس يقولون إن الإنسان يحتاج من 6 -21 يوماً كي يثبِّت أو يكتسب سلوكاً جديداً.. وها هو رمضان بين أيدينا، فلنغتنمه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.