شعار قسم مدونات

من أجل علاقات سليمة.. لا تكن من المطففين!

SS435398767 شترستوك
إحسان الطلب واجب وفضيلة، وكلما كان الإحسان في الطلب أكبر كان الجواب على الوجه الذي يرضي الطالب (شترستوك)

العلاقات الإنسانية التي تستمر هي تلك المبنية على تقبل الآخر، وعدم رفع سقف التطلعات والحرص على عدم تحميل الآخر ما لا يطيق، علاقات مبنية على احترام ضعف كل طرف، عند كشف عيوبه نحاول إصلاحها فإن تعسر الأمر أدركنا أن هذه العيوب ليست سهام غدر وحرب بل هي إعاقة نحاول احتواءها.

كلام يبدو مليئا ومتخما بالمثاليات، لكني أضيف كي تستسيغ عزيزي القارئ ذلك أن هذه العلاقة القائمة على الاحتواء ملحها ألا ينخرها الأذى، فمهما كانت العلاقة مهمة في حياتك إياك أن يكون ثمن استمرارها أن تنطفئ روحك، وتنسى أن درء مفسدة تحطيم الذات أقدس من جلب مصلحة الاستمرار في هذه العلاقة.

علاقاتك بمن حولك من آباء وأبناء وإخوة وأزواج وأصدقاء وزملاء… إياك ثم إياك أن تكون فيها من المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، فلا تكن ظالما لغيرك بأن تستوفي حقك كاملا وتنتزع حقوقك انتزاعا، وتقاتل الآخرين من أجلها سالاًّ سيف لسانك بكلمات جارحة، ومسلِّطا سوط سلوكك العدائي على الآخرين حاسبا نفسك من المجاهدين الفاتحين؟ الذين ينصبون ميزان العدل في هذه الأرض!! ومقابل هذه الأعاصير التي تحدثها لنيل حقك، تكون في واجبك من المخسرين، تتصنع لنفسك أعذارا وتُصدقها! وترى أنك الضحية؛ هذا ليس من المروءة في شيء: أن تطالب بالحق وأنت مضيع للواجب تطفف في ميزان العلاقات، تجود بأقل القليل وتعتبره إحسانا وفضلا وتطمع في الكثير وتزدريه وتسميه شحا.

العلاقات القائمة على الحقوق والواجبات، علاقات غير مستقرة، أساسها هش، تُهدم عند أول هزة ولو كانت ضعيفة، روابطها كشعرة رقيقة أضعف شد لها يقطعها، فما بالك لو صاحَب هذه الهشاشة أذى تطفيف الميزان؟

لا أقول إن المطالبة بالحق جريمة، لكن إحسان الطلب واجب وفضيلة، وكلما كان الإحسان في الطلب أكبر كان الجواب على الوجه الذي يرضي الطالب، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر رضي الله عنه عندما استشاط غضبا من تطاول أحد الأحبار على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا؛ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، هذا الرد الجميل من النبي العظيم يُعد قاعدة جميلة في التعامل مع الآخرين.

نعرف أن الإحسان في ذبح الأضحية واجب، فكيف بطلب الحقوق؟! لا تُشعر الآخر أنك ستخضعه عنوة وبالقوة، فهذا يدفعه فطريا إلى المكابرة والعناد وربما للتقاعس والتقصير، علاقتنا بمن حولنا ليست علاقة تملك واستعباد بل هي تعاون على المصالح المشتركة، إما أن ننمي بعضنا أو نعفي الآخر من ثقل وجودنا، فمن التطفيف أن ننتظر من الآخر أن يقبلنا كما نحن، ثم نحاول نحن أن نغيره ليصبح كما نريد، فنطمع أن نصبح ملوكا ونستعبد من حولنا، باسم "الحفاظ" على العلاقات.

فعلا، كم من الخلافات سببها أننا نزن سلعتنا ونحسبها سلعة الآخر، نحب بشدة، نثق بجنون ونظن أن الآخر سيفعل المثل، نضع الآخر في أعمق مكان في قلوبنا لكن مكاننا في قلبه لم يتجاوز عتبته، ويرتفع سقف انتظاراتنا عاليا جدا، تقضه على رؤوسنا مواقف الحياة فتهلك العلاقة. نحن نعرف سلعتنا لكننا نجهل سلعة الآخرين، عندما نقايض فنحن نعلم جيدا جودة ما نبذله لكننا لا نستطيع معرفة جودة ما سيبذله الآخرون، كل ينفق من سعته ومن ضيقه، وكل يُقَيِّم سلعتك حسب خبرته وصدقه، لا تنتظر من جاهل أن يميز الحجر الكريم عن غيره، فالأحجار كلها متشابهة لديه، وهو في ذلك معذور بجهله، لكنك لست معذورا في أن تبخس سلعتك حقها! سيبقى حجرك كريما مهما كان الثمن الذي دفعه الآخر، فلا تحزن أيها الطيب.

لكني سأهمس لك يا عزيزي بكلمات قبل أن أغادرك، لا بأس بالتطفيف في المنحى "المعاكس": إذا جعلت كفة عطائك أثقل، رجحتها ووضعت في مقابل سلعة الآخر سلعة أفضل وأثقل، وقبلت سلعة مزجاة وأوفيت الكيل وتصدقت على من حولك، فعلت كل ذلك بطيبة نفس وصفاء روح وصدق نية، مهما طفف الناس وأخسروا أوفِ الكيل وتصدق، ليس لسواد عيونهم كلا! افعل ذلك محسِنا للخلق طامعا فقط في كرم الخالق عز وجل…

افعل ذلك لأنك نخلة مهما رُجِمت بالحجارة فهي لا تُسقط إلا الرطب، ولا تنسَ في كل هذا أن لنفسك عليك حقا، فلا تغفله أيها الطيب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.