هذه ثالث وآخر مقالة عن كتاب جون ميلز (ثلاثة أشهر في نابلس.. الطائفة السامرية عن قرب 1855،1860م)
(Three Months’ Residence At NABLUS, AND ACCOUNT OF THE MODERN SAMARITANS)
وكاتبه جون ميلز (John Mills)
حيث إنني في المقالة الأولى ركزت على العنصرية والكراهية والكذب عند ميلز، وفي المقالة الثانية سلطت الضوء سريعا على وضع السامريين حاليا وعلى بعض فصول الكتاب التي تتناول عاداتهم وطقوسهم، والآن أكمل المرور على بقية فصول الجزء الثاني من الكتاب.
ومع استدراك يتعلق بما ورد سابقا عن حرمة زواج السامريين من خارج الطائفة، وهو أنهم في السنوات الأخيرة بعد تفشي الأمراض والإعاقات بسبب زواج الأقارب الإجباري لطائفة هي الأصغر في العالم، سُمح لرجال الطائفة قبل سنوات بالزواج بفتيات أوكرانيات شريطة اعتناق الديانة السامرية.
قومية وديانة
في الفصل الثاني يرى المؤلف أن الدين عند السامري هو هوية وطنية؛ حيث لا فرق عندهم بين مجتمعهم السياسي أو القومي ومجتمعهم الديني (ص94).
ولهم عهودهم -وفق معتقدهم- السبعة مع الله وهي:
- عهد نوح.
- عهد إبراهيم/ الختان.
- عهد السبت.
- عهد الجدولين من الوصايا العشر.
- عهد الملح.
- عهد الفصح.
- عهد الكهنوت.
السنة السامرية والأعياد السامرية
في الفصلين الخامس والسادس يتحدث جون ميلز عن السنة السامرية والأعياد السامرية المختلفة.
والسنة السامرية قمرية مرتبطة باقتران الشمس مع القمر؛ أي وقوع القمر بين الأرض والشمس، ويتحدث جون ميلز عن الأشهر السامرية وأسمائها.
وللسامريين -وفق ميلز- نوعان من السنوات: مدني يبدأ من شهر تشري (هكذا الكلمة وليس تشرين) الذي يقابل أجزاء من أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني وهو لتنظيم الحياة العامة وشؤونها، وتقويم سنوي كنسي ديني خاص بالأعياد والمناسبات الدينية.
والشهور السامرية قمرية لا تقابل التقويم الغربي والشرقي ولكنها لا تقابل التقويم الإسلامي أيضا.
والأعياد السامرية هي: الفصح والفطير والخمسين والأول من تشري ويوم الغفران وعيد العرش وعيد البوريم… وأهم الأعياد هو الفصح الذي يبدأ الاحتفال به في 15 أبريل/نيسان وإذا وافق يوم سبت يحتفل باليوم السابق.
ويتحدث جون ميلز بإسهاب مفصل عن طقوس الاحتفال بعيد الفصح السامري على جبل جرزيم وما يتعلق بالقرابين (حملان غالبا) وأكل الفطير من عجين غير مختمر.
جبل عيبال ملعون!
في الفصل السابع يتحدث عن جبل جرزيم والأماكن المقدسة، وينقل من سفر (التثنية 29:11) "فاجعل البركة على جبل جرزيم واللعنة على عيبال"، ومعلوم أن مدينة نابلس تقع بين وعلى سفح جبلين: شمالي (عيبال) وجنوبي (جرزيم)، وكلمة جرزيم حسب التفسير السامري تعني "الوصايا"، ومن أسمائه الأخرى عندهم: جبل العالم ولو أو لوزا أو المقدس وجبل الوجود (ص121) ودوما يضيفون إليه اسم "بيت الله"، ولديهم قبور مقدسة مثل قبر يوسف.
أسفار موسى والنسخة القديمة
يؤكد جون ميلز أن أسفار موسى عند السامريين خمسة، تختلف عمّا لدى اليهود، وحروفها مختلفة عن العبرية، وهو أمر ما زال السامريون والباحثون يؤكدونه، والنسخة السامرية تتكون من مجلدين اثنين؛ الأول يضم سفر التكوين وسفر الخروج والثاني يضم بقية الأسفار.
ووفق المعتقد السامري، فإن الأسفار التي بحوزتهم كتبها حفيد هارون الأكبر (أبيشوع) في السنة 13 قبل وصول بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة، وتعرض مرة واحدة في السنة في عيد الغفران، وهي نسخة خاصة عندهم لا أصلية.
ويتحدث ميلز عن مجيء الرحالة من مختلف أنحاء العالم إلى نابلس لمشاهدة النسخة القديمة ولو من باب الفضول.
الأدب السامري
في الفصل 11 يؤكد ميلز أن إسهام السامريين في المسيرة الأدبية قليل، ولا يمكن مقارنته بأدب اليهود، وأن الأدب السامري تأثر بالأدب اليوناني خاصة في الإسكندرية.
وما هو موجود أو رآه ميلز وزوده الكاهن السامري بقائمة مما بحوزته من التراث الأدبي يتعلق بمسائل دينية وأحكام تاريخية خاصة بالطائفة.
الكراهية بين اليهود والسامريين
في الفصل 12 يتحدث جون ميلز عن بروز روح التنافس بين قبائل إفرايم ويهوذا منذ خروجهم من مصر؛ وإفرايم هي الطبقة الأرستقراطية وظلت مسيطرة وتملك التابوت والخيمة التي اتخذوا منها هيكلا متنقلا.
ثم انقسموا بعد إفرايم (مملكة يهوذا أو مملكة إفرايم) ولم يوحدهم السبي البابلي.
وقد عامل السامريون اليهود معاملة سيئة والعكس صحيح، وحرّم اليهود أكل الطعام السامري وقاموا بالحجر على معتقداتهم ومنعوهم من الدعوة والتبشير.. ولكن بعض رجال الدين التلموديين اعتبروهم إخوة لهم، وممنوع (سامريا) التزاوج والأكل معهم.
جدول زمني لافت
الفصل 13 من الكتاب (الكرونولوجيا السامرية.. التسلسل الزمني) لفت نظري أكثر من فصول أخرى حيث يدرج المؤلف جدولا تاريخيا وفق التقويم السامري يبدأ بخلق آدم والعالم، رسمه الكاهن لجون ميلز، وينتهي الجدول التاريخي بموت "شلما بن غزال" في سنة 6259 سامري الموافقة -حسب الجدول- لسنة 1857م.
ومما لفت نظري وجود خانة في الجدول مكتوب بها "الغزو الوهابي ضد المحمديين" سنة 6241 سامري الموافقة لسنة 1803م، وفي هذا الوصف دلالة على طريقة تفكير كهنة الطائفة آنذاك بالصراعات السياسية داخل الأمة الإسلامية، ذلك أنهم اعتبروا أن الوهابيين وخصومهم من ملّتين مختلفتين!
وهناك خانة في الجدول تشير إلى تاريخ 5047 سامري الموافق 609م: ظهور محمد وكتب بين قوسين (صلى الله عليه وسلم)، ولست أدري هل ما بين القوسين من المترجم أم من النص الأصلي الذي رسمه الكاهن وقدمه إلى جون ميلز!
كذلك تتكرر "صلى الله عليه وسلم" في خانة موسومة بـ"رحيل محمد" سنة 5062 سامري الموافقة 624م.
ولاحظت أنه لا يوجد استخدام أو إشارة إلى كلمة إسلام أو مسلمين في الجدول بل "محمديون"، ومن ذلك إضافة إلى ما ذكرت سابقا: وقوع القدس في قبضة المحمديين سنة 5505سامري/ 1067م.
والكتاب في ص151 وما بعدها يعرض أشكالا ورسوما توضيحية مختلفة تتعلق بما جاء في مادته، كخاتمة تسبق الفهرس.
الصراعات بقلم جون ميلز
بقي أن أشير إلى أن المؤلف جون ميلز حين تحدث عما يخص الصراعات والنزاعات الداخلية، لم يشذّ عما تؤكده المصادر العربية والإسلامية، ولعل هذا من التمهيد لمرحلة الاستعمار والاحتلال، حيث لا مجال لصبّ الأحقاد وحياكة الأكاذيب، مثلما فعل في أمور أخرى، بل يجب تقديم معلومات دقيقة إلى حد كبير (الفصل الثامن).
ولم يقتصر حديثه عن مدينة نابلس، بل أشار إلى المناطق المحيطة بها باعتبارها تابعة لها وفق التقسيم الإداري العثماني، ومن ذلك ما ذكره عن القرى المحصنة وعائلة جرّار وعائلة عبد الهادي ضمن العائلات (المتنافسة على الزعامة) وهي: عبد الهادي وجرّار وريّان وطوقان.
ومعروف أن عائلة جرّار من عائلات منطقة جنين الكبيرة، ويقول ميلز إن أبرز عائلتين هما عبد الهادي وجرّار، وتحدث عن المؤامرات والدسائس والنزاعات بين تلك العائلات وأتباعها وما تولد عنها من عنف وتوتر، شمل -وهذا ما يهم ميلز- أبناء الطائفة السامرية.
ويقول ميلز إنه في الفترة ما بين 1805-1842 تغير 13 حاكما، وإن السلطات العثمانية قامت في فترة ما بتعيين حاكم تركي في المنطقة، أي من خارج العائلات المتنافسة، ومن غير العرب سنة 1855 وتحسنت أحوال السامريين، وفق ميلز.
وآمل أن أكون قد غطيت مادة الكتاب بما يكفي.
ولكن قد لا تغني المقالات الثلاث القارئ العربي عن قراءة النسخة المترجمة من الكتاب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.