شعار قسم مدونات

هل حقا أن الإسلام محجوب بالمسلمين؟

مشجع مكسيكي اعلن اعتناقه الإسلام في كتارا أمس الاثنين
مشجع مكسيكي أعلن اعتناقه الإسلام في كتارا أثناء بطولة كأس العالم قطر 2022 (مواقع التواصل الاجتماعي)

قال أحد علماء المسلمين من ذوي البصيرة النافذة "إن الإسلام محجوب بمسلمي اليوم". إذ لم يُقدَّم لغير المسلمين تقديما علميا يليق به في عالمنا هذا ذي الكشوفات العلمية التي بهرت وسحرت كثيرا من شباب المسلمين، وجعلتهم يفسرون كل شيء وفق نظرة مادية نفعية ملحدة، بحيث تلغي الماضي ذا الثوابت والموروثات الحضارية الوضيئة -جملة وتفصيلا- عندما كان علماء المسلمين بمثابة الأساس الذي انطلق منه العلم الحديث، أو ما يعرف بالحداثة أو التنوير، على الرغم مما استصحبه من الاختلال الأخلاقي المشين باتفاق كثير من العلماء والباحثين على تباين مشاربهم، ومنهم الغربيون أنفسهم، فقد شهد شاهد من أهلها بتلك الإعاقة، وبذاك الخروج عن المألوف من الطبائع والسلوكيات الإنسانية السامية. وليس هذا تحاملا على الغرب بالطبع، فعلى الصعيد المادي له إنجازاته وصناعاته "السلمية" المشهودة والمقدرة.

هذا، والأدهى والأمر أنه لم يقم مسلمو اليوم بما ينبغي من تقديم لأحكام الإسلام كحلول شافية ووافية ارتضاها كثير من مفكري الغرب المتنورين، ولم يقوموا بتقديمها التقديم اللائق والمقنع، وذلك تبعا للاعتلال التحصيلي (الدراسي والبحثي)، والانهزامية العسكرية والنفسية التي مُنوا بها في القرون الأخيرة بعدما تفرقوا وتشتتوا زرافات ووحدانا عندما تغلب الرجل الأبيض على غيره فيما يعرف في مصطلح الغرب بـ"الملوَّنين" (coloured people) وساد جبروتا وعلوا وفسادا، وذلك بسبْقِه لامتلاك آلات التقتيل الفتاكة، وفقا لتقنية الإبحار والسير في الأرض وحولها سيرا حثيثا، في حين استسلم المسلمون ولم يعودوا يبتكرون ويبدعون كما كانوا في السابق عندما وضعوا اللبنات الأولى للحضارة الحديثة -كما ذكرنا آنفا- بمنجزاتها العلمية التي يتبجح بها الغرب الآن في صلف وفوقية! ويشهد بذلك من عكف من الغربيين على دراسة محايدة وأمينة لتاريخ الشرق الإسلامي، فمن المستشرقين والمفكرين الغربيين المنصفين الذين يشهدون بذلك توماس كارليل الأسكتلندي فى كتابه "الأبطال"؛ إذ يقول "لسنا نعد محمدا هذا قط رجلا كاذبا متصنعا يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغية، أو يطمح إلى درجة ملك أو سلطان أو غير ذلك من الحقائر والصغائر… كلا، ما محمد بالكاذب ولا الملفِّق وإنما هو قطعة من الحياة تفطَّر عنها قلب الطبيعة، فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع، ذلك أمر الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء… وهذه حقيقة تدمغ كل باطل وتدحض حجة القوم الكافرين".

أما الطبيب والمؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون الذي عُني بالحضارة الشرقية فيعدّ "أحد أشهر فلاسفة الغرب وأحد الذين امتدحوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية بخلاف معظم مؤرخي أوروبا، حيث اعتقد بوجود فضل للحضارة الإسلامية على العالم الغربي". فقد قال "الإسلام أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم الحديث، وهو من أعظم الأديان تهذيبا وإصلاحا للنفوس، وحملا على العدل والتسامح والإحسان والتآلف والتعايش، لا فرق في دار الإسلام بين الصيني المسلم والعربي المسلم في التمتع بجميع الحقوق، وبهذا تختلف الحقوق الإسلامية عن الحقوق الأوروبية اختلافا أساسيا".

وغير أولئك الكثير من العلماء الغربيين الذين انبروا ليدافعوا عن الإسلام، ومنهم من أسلم علانية، بعدما استوعبوا معانيه وأدركوا مراميه من مصادره السليمة تلك التي لم تشبها إرجافات أو افتراءات، ولم يخالطها تحامل أو تدليس، وبعبارة أخرى من دون منظار "ضبابي" معتل الرؤية.

ومما يؤكده الإعلاميون والباحثون الثقات أن الإسلام هو الدين الأسرع انتشارا في العالم في أيامنا هذه، فقد أجمعت نحو 40 قناة فضائية غربية على أن الإسلام يستشري بينهم استشراء النور في الظلام، لأنه يخلو من التناقضات والمغالطات والأساطير كما يصفه معتنقوه من الغربيين، بالإضافة إلى عِلميته التي هي فوق الشك والتهم، لا سيما وقد قبِل الغرب العلم حَكَما.

فهنالك مثلا أكثر من 800 آية إعجازية علميا ورقميا وبيانيّا في كتاب الله العزيز يشير معظمها إلى السبق العلمي للكشوفات الحديثة، ومن يشكك في ذلك عليه بالرجوع إلى كتب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والتي ليست قابلة للنقد أو التجريح، حيث ألفها علماء ثقات أشهرهم الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني اليماني.

ولكن من يقرأ؟ وماذا يقرأ؟ وحتى إذا قرأ، أين هو من الاصطبار على القراءة تمعنا واستبصارا، وأين الحرص على استجلاء الحقيقة كاملة غير منقوصة؟

هذا عدا شح اهتمام وسائل الإعلام "الأمينة" بتسليط الضوء على تلك الكنوز المعرفية ذات الحجج الإعجازية الدامغة كيما تعيد لأبنائنا وبناتنا ثقتهم بموروثاتهم وثوابتهم بمنأى عن الارتياب الجريء والكفر المبين. تلك الثقة المسلوبة في ظل غفلة وضعف المغلوب، وسطوة واستعلاء الغالب.

والغريب في الأمر أن من أكثر من يقدم الإسلام اليوم -لأقوامهم، وبألسنتهم- هم الذين اعتنقوه حديثا من الغربيين بعدما استوثقوا من تكامله وعِلْميته وعالميته على السواء، كما سبق أن أشرنا. بعدما درسوه دراسة متأنية؛ مقارنةً وموازنة، تدقيقا وتمحيصا، أخذا وردا.

ومن عجب أن ترى من ينافح عن الإسلام بهدوء وبمؤهلات الدعاة أولي الألباب، الذين يعلمون، كيوسف إسلام وقد كان يُسمى قبل إسلامه "كات ستيفنس" (Cat Stevens) وكان مطربا ذائع الصيت، وهام وقتها على وجهه، وتقلَّب باحثا ومنقبا، وحار بين الأديان حتى اهتدى لدين الله.

وقد سألته في زيارة له لماليزيا في أوائل الألفية الثالثة عن سبب اعتناقه الإسلام فكان رده منيعا ومختصرا ينم عن اجتهاد في فهم وتمثل الإسلام، حيث أدهش الحاضرين حينها من المولودين من آباء مسلمين، وصدق المولى عز وجل إذ يقول "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" العنكبوت (43).

وظاهرة بيع كثير من الكنائس المغلقة في الآونة الأخيرة للمسلمين في الدول الغربية ليحولوها إلى مساجد، بعد إجراء تعديلات عليها، والتي أحدثت ضجة واسعة وامتعاضا في الأوساط الدينية، وغير الدينية هناك، تعد مثالا صادقا على ما أقول.

فأين الدعاة الراسخون في العلم الذين بوسعهم أن يجادلوا الغربيين بالحسنى والهدوء تارة، وبالمداراة والمرحلية تارة أخرى، بعد إجادة لغاتهم، ودراسة أوضاعهم عن كثب، وحتى لا يعتبروا دعاة محليين منكفئين على أنفسهم (غير عالميين)، يراوحون مكانهم ولا يُعِدُّون ما استطاعوا من قوة متطلَّبة في زمان تتسارع فيه الكشوفات العلمية وتطورات الأحداث، وتتواثب بإصرار؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.