يتابع العالم اليوم أخبار الرياضة وبطولة كرة قدمها الجاري تنظيمها بدولة قطر، وفي الوقت الذي شكّل فيه هذا الحدث أبرز الفعاليات العالمية التي تشد أنظار الأمم والشعوب وتستولي على الاهتمام، كانت هناك جوانب عدة أسهم في بلورتها هذا الموسم الرياضي المُطل من أرض العرب، ويتعلق جزء من ذلك بما سيتم من الرواج العالمي لعدد من المفردات اللغوية العربية التي تتعرّف عليها جموع العالم ومتابعو أخبار الرياضة من أصقاع الأرض، حيث يعايشون عبارات رئيسة في قاموس بطولة كأس العالم بدولة قطر، لا بد وأن تبقى في الأذهان بأحرفها العربية، ويبقى تداولها جاريا بين غير العرب لمدى صلتها بتنظيم البطولة.
وفي مقدمة هذه العبارات التي تؤدي -من خلال كأس العالم- جزءا من السفارة اللغوية للسان العربي، كلمة "البيت" العتيقة في لغة العرب، التي تنصرف بما يُشبه العلَمية إلى البيت الأقدم، بمكة المكرمة، وهي الكلمة المُمجَّدة في الصياغة العربية منذ القديم:
فأقسمتُ بالبيت الذي طاف حوله .. رجال بنوه من قريش وجُرهُم
مفردة البيت كلمة مفتاحية بتتبّعها يتم الوصول إلى ما وراءها من الحمولات الدينية والحضارية للبشرية جمعاء، ويمكّن كأس العالم من إتاحة المدى أمام ذلك.
وفي معاجم اللغة كذلك عن دلالة اللفظ، "وبَيْتُ العرب: شَرَفُها"، وكان كأس العالم انطلق من "البيت" الكروي بمدينة الخور.
فقال هَيَا رَبّاهُ ضَيفٌ ولا قِرىً
بحقِّكَ لا تَحْرِمْهُ تا اللَّيلةَ اللَّحْما
عبارة "هيا"
ليس أشهَر ضمن المستندات الخاصة بحضور بطولة كأس العالم ربما من بطاقة "هيا"، التي حملت هذا الاسم العربي الذي دلف إلى الأمم والشعوب عبر كأس العالم؛ فغدت عبارة "هيا" أيقونة عربية متعارفا عليها، فمن الذي حضر كأس العالم من غير العرب وليست "هيا" عبارة جدّ مألوفة لديه بنغمها العربي الأريحي، وفي معاجم العرب " ويقولونَ: هَيَّا هَيَّا، أَي أَسْرِعْ إِذا جدوا بالمَطِيِّ"، كما أنها عند التخفيف "هَيا" من حروف النداء هاؤُهُا بدل مِن الهمزة كما يشرحون، ومن ذلك قول الشاعر الحطيئة:
فقال هَيَا رَبّاهُ ضَيفٌ ولا قِرىً .. بحقِّكَ لا تَحْرِمْهُ تا اللَّيلةَ اللَّحْما
حيث إنها بالعموم من ضمن أحرف النداء، وفي المنظومات العلمية:
وللمنادى الناء أو كالناء: يا .. وأيْ وآ كذا أيا ثم هيا
حيّاكم
كذلك، تتضمن عبارات الترحيب المستخدمة في شكل مجسمات، في المواقع العامة بقطر، عبارة "حيّاكم"، حيث يطالعها الزائرون لقطر، والتنويع في أساليب تحايا السلام وإثراؤها نمط دارج في تاريخ العرب، وكانوا يحيّون الملوك "بتحيات مختلفة، يقال لبعضهم: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، ولبعضهم: اسْلَمْ وانْعَمْ وعِشْ أَلْفَ سَنَةٍ، ولبعضهم: انْعِمْ صَباحا" ومن بديع صياغات العرب عبارة "المُحَيا" اسما للوجه، وتأخذ عبارة التحية طريقها اليوم من خلال استخدام أحد اشتقاقاتها في كأس العالم، ومن سيتعرف عليها ويبحث في ما يخص هذا اللفظ، يقف -في تتويج ذلك- على الأمر الأهم أنّ "التحيات لله والصلوات".
قطر
وأما اسم دولة قطر، فيذيع كذلك، ويشيع من خلال كأس العالم، فمنذ اليوم أغارت به الجموع وأنجدت، وسارت به الركبان في الآفاق، وبذلك تتسع رقعة حضور اللفظ القاطن برسوخ في تاريخ العربية ففي المصادر اللغوية أن "القِطْرِيَّة: ضرب من البُرود. (..) وأَنشد:
كَساكَ الحَنْظَليُّ كساءَ صُوفٍ .. وقِطْرِيّاً، فأَنتَ به تَفِيدُ
قال: البُرُود والقِطْرِيّة حُمْرٌ لها أَعلام (..) ، وقال خالد بن جَنْبَةَ: هي حُلَلٌ تُعْمَلُ بمكان لا أَدري أَين هو. قال: وهي جِيادٌ وقد رأَيتها وهي حُمْرٌ تأْتي من قِبَلِ البحرين".
كما نقرأ "وقال أبو منصور: في أعراض البحرين على سيف الخط بين عمان والعقير قرية يقال لها قطر وأحسب الثياب القطريّة تنسب إليها، وقالوا قطريّ فكسروا القاف وخففوا كما قالوا دهريّ".
وعند ياقوت الحموي في معجم البلدان "وقال الراعي فجعل النعام قطريّة:
الأوب أوب نعائم قطريّة… والآل آل نحائص حقب
نسب النعام إلى قطر لاتصالها بالبرّ ورمال يبرين، والنعام تبيض فيها فتصاد وتحمل إلى قطر".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.