نسجت الدوحة خلال السنوات الأخيرة بُردة من نضارة وإبداع، وكان تحدي المونديال يقفز من كل شارع ويرنو إلى الأرض من كل برج من ناطحات السحاب مسامقات المزن السيّار.
كانت الدوحة خلال عقود ثلاثة تعمل كل يوم وليلة على إضفاء لبوس جديد من عمران ورقي أو من ثقافة أو فن أو قوة ناعمة تخترق جدران القوى التقليدية، لكن نسيج الحضارة والعمران تسارع بأيدي صنّاعها ليلقي على قطر كلها حلة سِيراء جذبت العالم كله، وحرّكت مداد الإبداع أو التنمر من مختلف أنحاء العالم وأقطار الدنيا.
وبعد ساعات تنطلق صافرة البداية لتعلن افتتاح المباريات الأولى في كأس العالم، مطلقة بذلك مضمار أول مونديال تحتضنه المنطقة والعالم العربي بشكل عام، بعد أن أكدت قطر أنها حجزت لنفسها المنصة العليا في أجمل وأروع مونديالات العالم، وهو التحدي الذي شهدت له الفيفا بأنه ليس ممكن الوقوع فقط، بل قد بدأ يتحقق من خلال التحضيرات والاستعدادات، وسيكتمل مع تسديدات الأهداف النهائية في الكأس، لتكون آخرها شاهدة على وصول قطر إلى الهدف.
وفي حين سيتابع مئات الآلاف مباريات كأس العالم في مدرجات ملاعب قطر الثمانية؛ سيتابعها مئات الملايين عبر الشاشات الصغيرة، كما ستنصب ساحات وشاشات عرض ضخمة في مناطق متعددة من خارطة الألم والشتات العربي في فلسطين وسوريا ولبنان وغيرها.
8 صروح كروية
في 2010 فازت قطر باستضافة الكأس، وقبل انتهاء الفترة المحددة أكملت الدوحة إقامة 8 ملاعب دولية ضخمة، محطمة بذلك رقما قياسيا في تقارب هذه الملاعب مما سيمكّن الجماهير والمشاهدين من متابعة أكثر من مباريات في يوم واحد، زيادة على تقنية التبريد بالطاقة الشمسية والتي ستمنح هذه الملاعب جو برودة وتهوية مناسب، وخضع تصميم هذه الملاعب للمزاوجة بين التراث العربي القطري ومتطلبات الحداثة الرياضية، بما تقتضيه من سعة وقابلية للتفكيك.
وسيحتضن ملعب البيت المباراة الافتتاحية لكأس العالم، حيث ستتسع مدرجاته لـ60 ألف مشجع، وسيكون ختام المونديال من ملعب لوسيل الذي يتسع لـ80 ألف مشجع ويتربع الملعبان على التوالي في مدينتي الخور ولوسيل على بعد 35 و20 كيلومترا من وسط العاصمة الدوحة.
أما ثالث الملاعب فهو جوهرة صحراوية تحاكي امتداد الكثبان، في منطقة الريان، ويتسع لـ40 ألف مشجع، ويقف في الطرف المقابل غرب الدوحة على بعد 20 كيلومترا، ويحمل اسم استاد أحمد بن علي.
وفي الجنوب أيضا يقع استاد الجنوب في منطقة الوكرة على بعد 23 كيلومترا من وسط الدوحة، ويمثل تحفة معمارية على شكل صدفة خارجية بداخلها مركب تقليدي، وتم تصميمه من طرف المهندسة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد التي تتميز تصاميمها بالخطوط الانسيابية.
في حين يتوسط ملعب الثمامة الذي يحاكي شكله تصميم خيمة بدوية صحراوية في الأحياء الجنوبية على مسافة 12 كيلومترا من وسط الدوحة. وقد استوحى المعماري القطري إبراهيم الجيدة تصميمه من شكل القحفية التقليدية البيضاء (الطاقية التي تُلبس تحت الغترة والعقال) في الوطن العربي، مع إبراز الخيوط والفتحات التي تميز القحفية، ليبدع تصميما فريدا.
أما المدينة التعليمية، فقد حظيت بملعب خاص بسعة 40 ألف مقعد تتناغم فيه الرياضة مع الثقافة والمعرفة، وفي منطقة أسباير يقف ملعب خليفة الدولي بسعة 40 ألف مقعد آخر، أما ثامن الملاعب فهو ملعب 974 في رمزية لمفتاح قطر، وهو يتسع كسابقيه لـ40 ألف مشجع، ويتربع في رأس أبو عبود. ويعد أول ملعب قابل للتفكيك بالكامل في تاريخ المونديال، إذ جرى تشييده باستخدام حاويات الشحن البحري ووحدات بناء قابلة للتفكيك.
وفي حين تحيط الملاعب الثمانية بالعاصمة، وتتناثر وسطها على نسق بديع تناثر العقيان في الدر النضيد، تتراءى فيها من جوانب أخرى متعددة حدائق ذات بهجة أقيمت لاحتضان المناشط المواكبة للمونديال إضافة إلى أنشطة ثقافية وفنية وعروض مفتوحة على طول كورنيش الدوحة، بين شيراتون الدوحة ومتحف الفن الإسلامي، زيادة على حفلات موسيقية متعددة يحضرها فنانون عالميون كبار، وفعاليات جماهيرية في أكثر من 90 موقعا.
"هيا" إلى قطر
وقد أطلقت اللجنة العليا للمشاريع والإرث "بطاقة هيا"، وهي عبارة عن هوية للمشجعين تسمح لهم بدخول البلاد وتمكنهم من دخول ملاعب كرة القدم.
ويحق لحاملي بطاقة هيا من زوار وسكان لقطر حضور الفعاليات المصاحبة لكأس العالم، ويمكنهم التنقل مجانا في قطر من خلال وسائل النقل العمومية، وعبر شبكة طرق حديثة تضم مئات الجسور والأنفاق والطرق السريعة التي أقيمت كلها في السنوات الأخيرة استعدادا للحدث الكروي الأبرز في تاريخ قطر والعالم العربي.
وإلى جانب ذلك، تهيأ القطاع الصحي في الدولة لهذا الحدث بإقامة 10 مستشفيات كبيرة و6 مستشفيات أخرى للرعاية الصحية، وتجهيز آلاف الطواقم الصحية لتقديم الإسعاف والعلاج داخل الملاعب الثمانية وفي مختلف مناطق العروض والحفلات والساحات.
حملات عنصرية
وفي حين اكتملت التحضيرات والاستعدادات لانطلاق أول مونديال في العالم العربي، ما زالت حملات التنمر السياسي والرياضي تنشط في دول أوروبية، وتسارعت وتيرتها مع اقتراب ساعة الصفر لانطلاق الحدث الكروي المهم.
وتنوعت هذه الحملات بين التشكيك في قدرة قطر على استضافة حدث بهذا الحجم، أو السخرية من مساحتها التي حققت بها ما عجزت عنه دولة تقترب من حجم القارة، وتارة بتقديم افتراءات بشأن وضعية العمال في قطر، وهو الافتراءات التي تساقطت متعثرة مع الزمن مثلما تتساقط أرواق الشجر تحت قاصف من الريح.
وخلال الـ12 عاما الماضية، لم تتوقف هذه الحملات، في حين واصلت قطر تطويع الزمان والمكان ومغالبة موجات الدعايات المغرضة ليس فقط لتنظيم "أفضل مونديال عبر التاريخ" وإنما لتحقيق خطتها الخاصة بها ضمن رؤية 2030، التي تنقل البلد إلى آفاق مختلفة عما قبلها سواء في المنشآت العمرانية أو الصيت والحضور الدولي أو المكاسب السياسية والاقتصادية أو الرسالة الحضارية التي أرادت لها الدوحة أن تحتل صدى مهما في صناعة الحدث الكروي الأهم في تاريخ البلد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.