شعار قسم مدونات

الدول التي لا تصنع غذاءها ودواءها لا مستقبل لها!

البيوت البلاستيكية التي يتم فيها زراعة مئات النباتات وتجريبها
من الضروري التفرغ وبدء بناء البيوت البلاستيكية ومشروعات إنتاج الطاقة البديلة (الجزيرة)

تستمر فصول الأزمات الدولية، وتتفاعل القضايا الأساسية التي تمسّ حاجات الناس بصورة واضحة، وهو ما يتطلب وعيًا عامًا وشاملًا لما هو حاصل اليوم على مساحة العالم؛ لرسم صورة شاملة وواسعة للأمور، ومعرفة المسار الذي يجب على الشعوب أن تسلكه بشكل عاجل للتخلص من الأزمات القادمة في ظل هذه التطورات المتسلسلة.

وبين أزمة الغذاء وأزمة الماء وأزمة الطاقة علاقة وطيدة، فهي من تبعات الأزمات الحاصلة اليوم على مساحة العالم، وهذه الأزمات المصيرية تتطلب تحديد الأولويات الحقيقية التي تعالج هذه الإشكاليات وتتعاطى معها بعقلانية، بعيدًا عن الارتجال والعشوائية، ومن أهم هذه الأولويات: العمل على توطين الصناعات الأساسية التي تدخل في مجالات الغذاء والدواء والطاقة والمياه، بحيث تكون موزعة بشكل عقلاني ومدروس؛ لتؤمن الحد الأدنى من الحاجات الأساسية لشعوبنا في ظل أي أزمة قادمة.

الشرائح المجتمعية في القرى والبلدات والأرياف مطالبة اليوم بدراسة هذه المشروعات الإنتاجية، وبدء بناء البيوت البلاستيكية ومشروعات إنتاج الطاقة البديلة والتفرغ لبناء المشروعات الصناعية الصغيرة

المسؤولية هنا عامة وخاصة؛ عامة على الحكومات التي تهتم بمصلحة شعوبها بالفعل، وخاصة بقطاعات رجال الأعمال والمؤسسات التنموية ومؤسسات الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، أن تلتفت جميعا للمشروعات الزراعية وتجميع المياه وتحليتها، والمشروعات الخاصة بالطاقة البديلة؛ ونشر هذه الثقافة بين الأوساط الشعبية من خلال ضرب نماذج حقيقية من النجاح في المشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وبناء خطوط إنتاج وتغليف المأكولات والمشروبات الأساسية، وبناء معامل التصنيع للأغذية الأساسية، والبدء بشكل عملي في مشروعات الزراعة العصرية والاستزراع السمكي وإنتاج الحيوانات ورعايتها، بصورة تتوزع جغرافيا واستثماريا على نحو يحقق النتائج المرجوة منها في بيئتها.

إن ميلاد هذه المشروعات في بيئات موزعة جغرافيا يؤمن الحاجات الأساسية لتلك المناطق، فلو تم توزيع المشروعات الإنتاجية في الصناعة والزراعة وآبار المياه ومشروعات الطاقة على البلدات والقرى والأرياف بصورة مدروسة وتراكمية، فسنجد أن انتشارها يعني سداد حاجة الشعوب للموارد الأساسية لها في حال وقوع أي أزمة، وستزيد حالة الإنتاجية، وسيتحقق نمط من الاكتفاء الذاتي -ولو بالحد الأدنى- في ظل أي حالة طارئة، وحتى من دون الحالات الطارئة ستكون هذه المشروعات ميلادًا للطبقة الوسطى التي يجري مسحها بشكل مدروس لإفقار الشعوب والتحكم فيها.

المشروعات الصغيرة في المجالات الحيوية تمثل اليوم أولوية قصوى، وهي بحاجة لتضافر الجهود العقلية والعلمية ورؤوس الأموال والعقلاء في القطاع الخاص والمنظمات والهيئات المحلية

الشرائح المجتمعية في القرى والبلدات والأرياف مطالبة اليوم بدراسة هذه المشروعات الإنتاجية، وبدء بناء البيوت البلاستيكية ومشروعات إنتاج الطاقة البديلة والتفرغ لبناء المشروعات الصناعية الصغيرة وخطوط إنتاج المعلبات والمواد القابلة للتخزين واستقطاب العقول التي تؤمّن خطوط إنتاج صناعية متوسطة تكفي هذه القرى والبلدات حاجاتها الأساسية، وتوفر الدخل المعقول للقائمين عليها، بما يعني ميلاد عدد مقبول من مشروعات الدخل المتوسط، ووجود قدرة على الكفاية، وانطلاقة حالة من التنافس الإيجابي في مجال توطين الصناعات البسيطة والمبدئية؛ قد ترقى بعدها لمشروعات أكبر وأشمل وأكثر تأثيرًا.

هذه المشروعات الصغيرة في المجالات الحيوية تمثل اليوم أولوية قصوى، وهي بحاجة لتضافر الجهود العقلية والعلمية ورؤوس الأموال والعقلاء في القطاع الخاص والمنظمات والهيئات المحلية، بحيث يتحقق التكامل المنتج بينها لرفع مستويات الاكتفاء الذاتي في الموارد الأساسية للمجتمعات، من الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب والطاقة البديلة ونحوها، إضافة إلى مصانع الكفاية الصناعية التي يسمح بها ظرف كل دولة وشعب، بحيث تتحول هذه المنافسة الإيجابية بين شرائح المجتمع -سواء دعمتها الدول أم لا- إلى مشروعات منتجة مثمرة، تعود على أصحابها بالنفع المادي، وترقى بالمجتمعات لحالة الأمن والراحة النفسية، وتتفرغ بعدها لبناء الطبقات الوسطى بصورة أوسع وأشمل؛ بعيدًا عن حالات الارتهان للغرب والشرق في مجالات الموارد الأساسية والمواد الخام وآلات الإنتاج التي تدعم المجتمعات في الصناعات الأساسية والمنتجات الحياتية اللازمة لهم في السلم والحرب على حد سواء.