شعار قسم مدونات

الشيخ عبد الرشيد

عبد الرشيد صوفي مواقع التواصل
المقرئ الشيخ عبد الرشيد صوفي (مواقع إلكترونية)

الشيخ عبد الرشيد، هذا يكفي، ولستَ بحاجة إلى ذكر الاسم الكامل أو الحديث عن تفاصيل المهنة والسيرة الذاتية، فالرجل أصبح علَما حيث يعيش ويؤمّ المصلين ويأسر القلوب قبل الأسماع.

عندما يقترب شهر رمضان من كل عام، تجد القاسم الأعظم في نقاشات المشتاقين إلى عبادات الشهر الكريم وخصوصا صلاة التراويح والقيام؛ هو السؤال: أين سيصلي الشيخ عبد الرشيد هذا العام؟

وبعد سنوات طوال كان فيها مسجد السوق المركزي قبلة العبّاد في رمضان للصلاة خلف الشيخ الآسر، وكانت المنطقة المحيطة به تضيق بمئات بل ألوف المصلين، انتقل الرجل إلى مسجد أرحب في مدينة بروة بإحدى ضواحي العاصمة القطرية الدوحة، ثم انتقل في رمضان الماضي إلى مسجد بمنطقة لوسيل الحديثة.

لكن في كل مرة تتسع فيها مساحة المسجد، فإنه يبقى مزدحما ضيقا بالنظر إلى حجم المصلين، رغم أن الشيخ عبد الرشيد صوفي معروف بطول قراءته، فهو يصلي بجزء كامل من القرآن الكريم في صلاة التراويح.

تراويح وتهجد

وبعد راحة تستغرق نحو ساعتين، يشرع الشيخ في صلاة تهجد كان يقرأ فيها جزءا آخر، قبل أن يتحول إلى قراءة 3 أجزاء كاملة ليختم كتاب الله 3 مرات في تهجد الشهر المبارك، تضاف إلى ختمة صلاة التراويح.

وفي بلد يعيش فيه وافدون من جميع الجنسيات، يخطف نظرك وقلبك ذلك التنوع الرهيب بين المصلين، فهناك العرب من المواطنين والمقيمين القادمين من المشارق والمغارب، وهناك أيضا كثير من المسلمين غير العرب، منهم من يفهم لغة القرآن ويتدبر معانيه، ومنهم من يأتي مؤملا في حالة محببة من الخشوع يساعد عليها الاستماع إلى كلام الله بلسان هذا الشيخ.

وكان الشيخ الصومالي المولد قد نشأ في بيت علم حيث كان والده الشيخ علي بن عبد الرحمن صوفي علما في قراءة القرآن الكريم، وأتمّ الابن حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، ثم انتقل إلى مصر عام 1981 وهو في الـ20 من عمره حيث درس علم القراءات ونال الشهادة العالية في القراءات العشر.

وفي عام 1991 انتقل الشيخ عبد الرشيد صوفي إلى قطر حيث عاش فيها وحصل على جنسيتها، ويتولى الخطابة والإمامة في مساجدها، فضلا عن العديد من الأنشطة الدعوية.

سر الشيخ

ذات مرة دار بيني وبين أصدقاء نقاش حول سر الشيخ، فالرجل بمعايير جمال الصوت أو مهارة التطريب كما نسمع من كثير من مشاهير قرّاء القرآن ليس من أصحاب المراتب الأولى، لكن الأمر ببساطة، كما اتفق جمعنا، ربما يكمن في أن الشيخ لا يخاطب السمع، وإنما يجد طريقه إلى القلب بشكل مباشر.

ومرارا، سألت نفسي عن سر نجومية شيخي المفضل، وكانت إجابتي التي أرتاح إليها هو أنه ربما يكون من القلائل الذين لا يسعون لوهم لعب دور النجومية في حضرة كلام الخالق، وكأني به يريد فقط إبلاغ كلام الله إلى عباد الله، من دون أن يتجرأ على أن يدّعي لنفسه فضلا أو يلعب دور البطولة في حضرة أحسن الحديث (1).

هي تجربة من ذلك النوع الذي مهما أبدعت في الحديث عن حلاوته فربما لن يصل المعنى لمن لم يذق، فهي كما ذكرنا من شؤون الوجدان لا الجوارح، ومن خطابات القلوب لا الأسماع.

تستمع من الشيخ إلى آيات الوعد، فتسري إليك مشاعر السعادة والانشراح فينشرح صدرك وتكاد ترى جنان الخلد ونعيمها بعين قلبك، وتستمع إلى آيات الوعيد فتنتقل إليك عبر صوته مشاعر الخشية من عذاب جبار السماوات والأرض، وفي الحالتين تسمعه يبتهل إلى المولى سائلا الغنيمة من فضله والنجاة من عذابه، فتجد نفسك في الموقفين سائلا ومؤمّلا مع الشيخ.

فضل الله

"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (الجمعة: 4)، أتذكر دائما هذه الآية وأنا أستمع إلى الشيخ الذي أكمل الـ60 وهو يقف على قدميه بالساعات ومن خلفه آلاف المصلين، فلا يخطئ في حرف أو يتلعثم في كلمة، وهي منزلة يعرف حفاظ القرآن الكريم أنها ليست سهلة مع كتاب متشابه عزيز.

فضل الله على الرجل تدركه أيضا وأنت تستمع إلى إتقانه لجميع قراءات القرآن الكريم، وما يمتلكه من قدرة وسلاسة على الانتقال بينها، وهو أمر تدرك أهميته بالنظر إلى تعدد مشارب المصلين خلفه، فمنهم من اعتاد قراءة حفص عن عاصم وهناك من تعلم القرآن بقراءة ورش عن نافع أو الدوري عن أبي عمرو أو خلف عن حمزة.

وأخيرا، هل لي أن أنصحك عزيزي القارئ؟ إن لم تكن من سكان قطر، ولا تتيسر لك زيارتها في رمضان للصلاة خلف الشيخ، فاذهب إلى اليوتيوب أو نحوه، واخل بنفسك وأنت تستمع إلى تلاوات الشيخ في صلاة التراويح أو في تلاوته الأثيرة لآيات من سورة الحديد في صلاة الفجر (2).

 

هوامش

  • 1: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد (الزمر: 23).
  • 2: اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
    (الحديد: 20-21).