شعار قسم مدونات

كيف نفهم فلسفة عقد الإيجار؟

وكيل عقارات shutterstock_657910717
صكوك الإجارة تعد من أنجح الأوراق المالية وأكثرها مرونة وقدرة على استيعاب متطلبات العصر (شترستوك)

يعد عقد الإيجار من أهم العقود التي حظيت باهتمام الفقهاء الشرعيين والقانونيين، ووضعوا له شروطا وأركانا لتنظيمه وضبط أحكامه، وقسموه تقسيمات عديدة باعتبارات مختلفة، فقسم بالنظر إلى المحل المعقود عليه إلى قسمين:

القسم الأول: ترد الإجارة على منافع الأعيان، كاستئجار الدور والحوانيت والأراضي والسيارات والثياب والحلي للبس ونحو ذلك، وهذا القسم قسم إلى نوعين: النوع الأول: الإجارة الواردة على عين قائمة معينة، والنوع الثاني: الإجارة الواردة على عين موصوفة في الذمة.

والقسم الثاني: ترد الإجارة على منافع الإنسان، أي عمله، كاستئجار أرباب الحرف، والصنائع، والعمال، والخدم. والمراد بالعمل هنا الفعل الصادر من الإنسان، سواء كان طبيعيا أو معنويا الذي يطلق عليه (الشخصية الاعتبارية) للشركات والمؤسسات، وثبتت لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء والمسؤولين، وهذا القسم كذلك قسم إلى نوعين: الأجير الخاص، وهو من يكون العقد واردا على منافعه، ولا تصير منافعه معلومة إلا بذكر المدة بحيث تكون منافعه مستحقة للمستأجر في تلك المدة.

والثاني: الأجير المشترك، وهو من يعمل للمؤجر ولغيره كالنجار، والحداد، والبناء، والقصار.

والأجير المشترك يقع على صورتين: الأولى الأجير المشترك المعين، هو الذي يقع العقد معه لعمل مخصوص، كالبناء الذي يبني لكل أحد، والملاح الذي يحمل لكل أحد.

والثانية الأجير المشترك غير المعين، وهو الذي يقع العقد معه على عمل غير معين في ذمته، كخياطة ثوب معين، ولا يستحق جميع نفعه في مدة العقد، وإنما يلتزم في تلك المدة بتنفيذ العمل المتفق عليه، إما بنفسه أو بغيره.

ولا شك أن الإجارة بنوعيها الإجارة على الأعيان وعمل الأشخاص تعد اليوم من أهم الصيغ الاستثمارية والتمويلية لدى المؤسسات المالية الإسلامية، ومن المنتجات المرنة للأدوات المالية، حيث تصاغ منها صكوك الإجارة التي تعد من أنجح الأوراق المالية وأكثرها مرونة وقدرة على استيعاب متطلبات العصر، وازداد بروز أهمية عقد إجارة الأشخاص على صعيد المؤسسات المالية الإسلامية في ظل منتج تمويل خدمات، الذي يعد وسيلة من الوسائل التي يسد بها الناس حاجاتهم، ويقضون مصالحهم، وذلك مثل دفع أقساط التعليم في المدارس والجامعات والمعاهد، أو دفع تكاليف الخدمات الصحية من العلاج والعمليات الجراحية التي تقدمها المستشفيات، أو الأطباء، أو خدمات النقل عبر الطيران، وغير ذلك.

كما أن إجارة الأشخاص هي العقد الأساس الذي انبثق منه عقد العمل، الذي ينظم العلاقة بين صاحب العمل والعمال، وكذلك الموظفون الذين يعملون في دوائر الدولة، والشركات، والمؤسسات، والجمعيات وغيرها، هؤلاء هم أجراء في نظر الفقه الإسلامي والقانوني، تطبق عليهم قواعد الإجارة وضوابطها، وأحكامها، مما جعل عقد الإيجار يتميز بخصائص، سواء على نطاق الأفراد أو على نطاق المؤسسات المالية الإسلامية، ومن أهمها:

  1. أنه عقد رضائي يكفي لانعقاده مجرد مطابقة القبول للإيجاب من حيث المبدأ، ولا يخضع لأي شروط شكلية، فتحرير العقد كتابة ليس مطلوبا، فيمكن التأجير كتابة أو شفاهة. وأما في حالة اتفاق الأطراف على عدم انعقاد الإيجار في ما بينهم إلا إذا أفرغ في شكل معين كورقة رسمية أو عرفية، فلا ينعقد العقد في هذه الحالة إلا إذا أفرغ التراضي في هذه الورقة، فيتحول العقد عندئذ من عقد رضائي إلى عقد شكلي، وهو ما أشار إليه المشرع القطري في المادة (3) من القانون رقم (4) لسنة 2008 بشأن إيجار العقارات، حيث نص على: "تبرم عقود الإيجار الخاضعة لأحكام هذا القانون كتابة، وتتضمن العناصر الأساسية للعقد، ويجب تسجيل هذه العقود". وأضافت الفقرة الثالثة من المادة ذاتها: "ويجوز للمستأجر إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة طرق الإثبات". ويتضح من هذا النص أن المشرع اشترط كتابة العقود لإبرام عقود الإيجار، ولكن الكتابة هنا للإثبات وليس للانعقاد.[1]
  2. أنه عقد ملزم للجانبين، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وسار عليه المشرع القطري، فهو ينشئ التزامات على عاتق كل من طرفيه. فالمؤجر يلتزم بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، فيقوم بتسليم العين المؤجرة، وإجراء الإصلاحات الضرورية، ويلتزم المستأجر بدفع الأجرة، واستعمال العين المؤجرة فيما أعدت له، والمحافظة عليها وردها في نهاية العقد.
  3. نطاق الإجارة أوسع من البيع، فكما ترد على الأعيان، فإنها ترد على المنافع، ولهذا يجوز أن تستخدم عقود الإجارة في تمويل عقود الخدمات بشتى أنواعها، ويمكن أن تستأجر الشركة الخدمات لنفسها بأجرة أقل، ثم تؤجرها للعميل بأجرة أكبر، بخلاف عقد البيع، فلا يتصور تطبيق بيع الأجل في تمويل رواتب العمال والموظفين، أو في تمويل عقود الصيانة، أو غير ذلك من عقود الخدمات.[2]
  4. إمكان بيع الأصول في الإجارة، حيث إن المؤسسات المالية تمتلك الأصل المؤجر، بالإضافة على ما ترتب على تأجيره من دين لها في ذمة العميل المستأجر، فإذا أرادت الشركة الحصول على سيولة نقدية، فإنها تستطيع بيع الأصل وإن كان مؤجرا، بخلاف الدين الناتج عن عمليات البيع بالأجل فلا يمكن التصرف فيه، وهو ما ذهب إليه فقهاء الشريعة من عدم جواز بيع الدين، ومن هنا يلحظ أن أمام المؤسسات الإسلامية عائقا في حال رغبتها في الحصول على سيولة نقدية مع وجود ديون لها في السوق على العملاء، وعدم قدرتها على تحويلها إلى نقد.[3]
  5. تحقيق ضمان أكبر للمؤسسة، وبقاء ملكية العين لدى المستثمر، وهو يعد عنصرا مهما من الضمانات التي يمكن الحصول عليها في عمليات التمويل. وهو ما يجعل التمويل بالإجارة أكثر أمانا، واطمئنانا للممول، بحيث يتمكن أن يسترد العين من المستأجر متى أخل بالسداد، أو خالف شروط العقد. ففي حالة انخفاض سعر العملة، فإن العين تبقى مملوكة للمؤسسة المالية، وتحقق ضمانا ماليا كبيرا للمركز المالي للمؤسسة. بخلاف عقد البيع لا تصبح للبائع أية حقوق في السلعة المبيعة، لأنه تنتقل الملكية إلى المشتري بعد ذلك.[4]

____________________

هوامش

  • [1] ينظر: خيال، الأحكام العامة لعقد الإيجار في القانون القطري، ص8. البراوي، العقود المدنية في القانون المدني القطري، ص225.
  • [2] ينظر: الطبطبائي: محمد عبد الرزاق، أبحاث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، (الكويت: شركة أعيان للإجارة والاستثمار، ط1، 2007م)، ص21.
  • [3] ينظر: الطبطبائي، أبحاث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، ص22.
  • [4] ينظر: الطبطبائي، أبحاث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، ص22.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.