شعار قسم مدونات

حينما يصلي طفلك على الرصيف فهو "الولد الصالح"

أطفال القدس والداخل الفلسطيني المحتل يتوافدون إلى المسجد الأقصى
أطفال القدس والداخل الفلسطيني المحتل يتوافدون إلى المسجد الأقصى (الجزيرة)

لا يزال جمال المشهد عالقا في ذهني حينما رأيت أطفالا في المرحلة الابتدائية يصلّون في الشارع بينما ينتظرون الحافلة لتنقلهم من المدرسة إلى بيوتهم، ففي هذه الفترة المسائية لا بد أن يستقبلوا أذان العصر قبل وصولهم إلى البيت.

وهذا الأمر جعل عددا من الطلاب الذين يقفون على الرصيف المقابل للمدرسة يفترشون الأرض بسجادة الصلاة، ووقف أحدهم إماما لإقامة الصلاة جماعة.

هذا المشهد جعلني أردد في نفسي بأن أهالي هؤلاء الأطفال أفلحوا -بتوفيق من الله تعالى- في زراعة بذورهم، فلم تذهب سنوات عمر والدهم هدرا؛ إذ سقى من عرق جبينه هذه النبتة الطيبة الصالحة التي أثمرت الخير لرحلة أمهاتهن في حملهن وهنا على وهن.

وحينما يحافظ الطفل على الصلاة، فتيقن أنه سيحرص على رضا ربه وسيتعلم الحلال والحرام، وسيتعلم حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- واتباع سنته، وسيتعلم حروف القرآن تلاوة علما وعملاً، وسيتعلم رضا الوالدين والبر بهما، سيدق قلبه الرحمة والحب والتسامح والخير، وسيكون بالتأكيد عامرا بذكر الله تعالى.

والجميل أن الأطفال كانوا يحملون في حقائبهم المدرسية سجادات للصلاة، أي أنها ترافقهم في خطواتهم المباركة في طاعة الرحمن، والأجمل أنهم يُصلون جماعة، أي أنهم تفقهوا وعرفوا صلاة الجماعة وأجرها!

وزاد الجمال جمالاً حينما علمت وزارة التربية والتعليم بمدينة غزة بهذا الفعل الجميل، فأقدمت على خطوة تشجيعية لجميع الطلبة في المرحلة الابتدائية فعملت على تكريم هؤلاء الطلبة، وهذه خطوة طيبة يحتاج إليها الطفل لترجمة فرحتنا وتشجيعنا له في صنيعه الجميل بخطوة عملية.

لكل أب ولكل أم هنيئا لكم هذه الثمرة الطيبة في الدنيا والأخرة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم- "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له".

وفي المقابل، تألمت حينما كنت استمع إلى برنامج فتاوى وكان سؤال الأب للمفتي موجعا وثقيلا جدا على قلبي قبل مسمعي؛ إذ سأله "ابني عمره 23 سنة، ولم يسجد طوال حياته، فهل يلحقني الإثم بذلك؟!"

هذا السؤال كان بمثابة صاعقة ليس على المفتي فحسب، بل على كل من سمعه؛ فهل يعقل كل هذا العمر لم تسجد جبهته لله تعالى؟! أين أنتَ منه؟!

بالله عليك أيها الأب، هل قمت بواجبك نحوه؟ هل علمته سورة الفاتحة والسجود والركوع؟ هل أوقفته إلى جوارك في الصلاة واصطحبته بحب إلى المسجد؟!

لا تتعذر بالانشغالات الكثيرة التي لن تنتهي، ولا تردد بغضب بأنك تعمل خلال نهارك كله من أجل أن توفر لأبنائك حياة كريمة، فكل هذا لا يجدي لأي معنى للحياة الكريمة إن قصرت بهم.

هم لا يحتاجون إلى كثير من الطعام، ولا يحتاجون إلى كثير من الحلوى، ولا يريدون أغلى الثياب وأكثرها أناقة، بل هم بحاجة لك أنتَ فالقليل من ذلك يكفيهم، لكن القليل من وجودك وإحسان تربيتك لهم لا يشبعهم، هم بحاجة لك في كل مراحل عمرهم.

هم بحاجة إلى أن ترتل القرآن على مسامعهم، حتى وإن لم ينطقوا بعد بالحروف، هم بحاجة إلى أن تكون أول من يعلمهم سورة الفاتحة حتى تؤجر بها كلما رددوها في الصلاة، هم بحاجة إلى أن تعلمهم حب الله تعالى وطاعته، هم بحاجة إلى أن تعلمهم السنة بكثير من الحب، هم بحاجة إلى أن تكون المعلم الأول في حياتهم.

هل تعلم أن ولدك هو ميراثك الحقيقي ليس في حياتك فحسب؛ بل بعد مماتك؟! أحسن تربيتهم ليحسن برك وليكن لك الولد الصالح.

ليس من المهم أن يلتحق ابنك بتعليم راق، فيتكلم الإنجليزية والفرنسية وشيئا من الإسبانية، ليس من المهم أن يكون ابنك في كلية الطب ولا حتى الهندسة، ليس من المهم أن يكون ابنك وزيرا أو حتى مديرا؛ إنما المهم أن يكون ابنك هو الولد الصالح الذي يبرك ويبر والدته والذي يسارع في الإحسان بطيب الكلام والأفعال، والذي يكون لربه طائعا، ولسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- متبعا، وللقرآن تاليا، هذا هو المهم.

إياك أن تنشغل عن تربية ابنك مهما حدث؛ فكن أقرب إنسان لقلبه، كن والده وصديقه ومعلمه، كن كل شيء جميل في حياته، يتعلم من أفعالك الصدق والخير، كن موجها له بكثير من الحب، وعلمه فعل الحلال واجتناب الحرام.

قد تذرف عيناك دمعا، وتشعر بأن الوقت قد فات ولم يعد باليد حيلة؛ فقد كبر الولد وانتهى الأمر، في حدود نظرك.

لا… لم ينته الأمر؛ حتى وإن تأخرت عُدّ لأبوتك واحتضن ابنك وامسك يديه بكثير من الحب، تقرّب إليه وعوضه ما فات، وقبل كل هذا اسجد لربك واسأله العون وصلاح الذرية، أكثِر من الاستغفار والتوسل بأن يعفو عن تقصيرك، وأن يمدك بقوة وصبر تصلح بهما ولدك.

إياك أن تهزم، فالأمر أكبر بكثير من الحديث عن معركة فيها خاسر وفائز؛ فهي جنة ونار… فلا تستسلم مهما حدث، قد يكون الأمر صعبا في خطواتك الأولى، لكن تيقن -إن صدقت النية والعمل- سيعينك الله تعالى، وتيقن أنه قادر على كل شيء.

ورحم الله قارئا دعا لي ولوالدي -رحمهما الله تعالى- بالعفو والمغفرة ﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ (يوسف: 21).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.