شعار قسم مدونات

القراءة وتعديل السلوك

boredom:CB2; holding:CB2; one person:CB2; teenage boy:CB3; half-length:CB2; sitting:CB3; Caucasian ethnicity:CB2; connectivity:CB2; wi-fi:CB3; watching:CB3; communications:CB2; indoors:CB2; internet:CB2; tablet PC:CB3; 13-15 years:CB2; adolescence:CB2; leisure:CB2; sofa:CB2; reading:CB1 القراءة الإلكترونية في المنزل
القراءة إحدى الوسائل المستخدمة في تعديل السلوك وهناك دراسات تقول إن القراءة يمكن أن تعالج كثيرا من المشكلات السلوكية عند الأولاد (غيتي)

قال العقاد -رحمه الله- عندما سئل: لماذا تحب الكتب والقراءة؟ "أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني"، وهو محقّ في ذلك، فالقراءة تعود بنا إلى الماضي السحيق لكي نأخذ منه العبرة ونتعلم منه الدروس، والقراءة تنير لنا دروب الحاضر وتبصّرنا بحقيقة الواقع الذي نعيشه، والقراءة تسافر بنا إلى المستقبل لكي نستشرف ما فيه، والقراءة تعدّل سلوك الصغار والكبار.

لماذا نقرأ؟

للناس مشاربهم المختلفة في القراءة، فهناك من يقرأ ليحيا أكثر من حياة كالعقاد رحمه الله، وهناك من يقرأ لكي يفهم نفسه، ويفهم من حوله، ويفهم كيف تسير أو تُسيّر أحوال البشر في هذا العالم، وهناك من يقرأ ليكتب، فمن أراد أن يكون كاتبًا مُجيدًا فعليه أن يقرأ كثيرًا من الكتب ويعي ما فيها حتى يستطيع أن يكتب للناس شيئًا ذا قيمة، وأذكر أنني اطّلعت على أكثر من 300 كتاب من أجل تأليف كتاب واحد، وهناك من يقرأ لكي يستشرف المستقبل وذلك من خلال حديث القرآن الكريم عن الغيبيات وعن اليوم الآخر، أو من خلال القراءة في أدب الخيال العلمي، فمخترعات اليوم كانت خيالًا بالأمس، وأخيرًا هناك من يقرأ للمتعة والتسلية.

المسلم يقرأ لأمور منها:

أولا: الأمر الإلهي بالقراءة، يقول الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} سورة العلق: [1-5].

ثانيا: معرفة الهدف من الخلق، وعبادة الله عز وجل على علم، والدعوة إليه على بصيرة.

ثالثا: فهم السنن الكونية، وإدارة الحياة وفق هذه السنن التي لا تتغير ولا تتبدل.

رابعا: المسلم يقرأ ليزداد علمًا، يقول الله عز وجل: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} سورة طه: [الآية 114]، والمسلم يقرأ ليرتقي في الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} سورة المجادلة: [الآية 11].

هل هناك فرق بين قراءة المسلم وغير المسلم؟

قراءة المسلم قراءة باسم المربي الأعظم، قراءة باسم الخالق سبحانه وتعالى الذي وضع للإنسان المنهج الذي يسير عليه قبل أن يخلق، وهي نعمة أجلّ من نعمة الخلق والإيجاد، ولذلك قُدّم تعليم القرآن على خلق الإنسان في مطلع سورة الرحمن، يقول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4) } سورة الرحمن: [1-4].

إذن فالقراءة عند المسلم مرتبطة بمنهج السماء، أما قراءة الآخرين فقد تكون باسم الشيطان، أو باسم الهيمنة والتفوق العلمي، أو الرغبة في السيطرة على الآخرين واستعبادهم.

وقراءة المسلم الهدف منها البحث عمّا ينفع الناس جميعًا في دنياهم وآخرتهم، وقراءة المسلم الغرض منها تحقيق الاستخلاف وعمارة الأرض على الوجه الذي أراده الله عز وجل.

والقراءة عند المسلم ليست قراءة حروف وكلمات، فالمسلم عنده قراءتان كما يقول العلماء: الأولى قراءة في الكتاب المنظور وهو الكون، وهي قراءة تفكّر في عظيم خلق الله عز وجل، والثانية قراءة في الكتاب المسطور وهو القرآن الكريم، وهي قراءة فهم وتدبر.

والمسلم يقرأ ولا يتكبر على الناس بقراءته وعلمه، لأنه يعلم يقينًا أن العلم منحة وهبة ربانية، وأن كثيرًا من العلوم لا يستطيع الإنسان أن يحصّلها أو يدركها بعقله القاصر: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} سورة العلق: [3-5].

هل يمكن للقراءة أن تعدّل السلوك؟

القراءة إحدى الوسائل الكثيرة المستخدمة في تعديل السلوك، وهناك دراسات تقول إن القراءة يمكن أن تعالج كثيرًا من المشكلات السلوكية عند الأولاد مثل: العدوانية، والسرقة، والكذب، والعناد، والتبول اللاإرادي، وقضم الأظفار، وغيرها، ويمكن أيضًا أن تعالج بعض المشكلات الدراسية، كالتأخر الدراسي الناتج عن مشكلات النطق واللغة، واضطرابات التعلم، والتركيز.

والقراءة تعالج بعض المشكلات النفسية والاجتماعية مثل: القلق، والخوف، والخجل، والإحباط، والصراع، واضطراب النوم، والعدوانية، والكذب، والسرقة.

والقراءة تعدّل سلوك الأطفال الصغار عن طريق قراءة الوالدين أو المعلّمة للكتب والقصص التي تحتوي على نماذج تمارس السلوكات المرغوبة، وللقراءة كما يقول الأستاذ مراد صيام أهمية كبيرة في تعديل السلوك لأسباب متنوعة، منها أنها:

  • تجعل الطفل يستعيد هدوءه وراحته النفسية وتجعله طفلًا إيجابيًّا.
  • تجعل الطفل متزنًا وسلوكه أكثر فاعلية.
  • تعالج المشاكل النفسية والاجتماعية والبدنية لدى الطفل.
  • تساعد على حل مشكلاته، وعلاج عيوبه الشخصية.
  • تغذي روح الطفل، وتكسبه فطنة وبصيرة.
  • تعدّل بعض سلوكات الطفل، مثل: السرقة والكذب والعناد والعدوانية والخجل والخوف".

والقراءة تُعدّل سلوك البالغين عن طريق قراءة الشخص نفسه لبعض الكتب المختارة بعناية التي تعالج السلوك المراد تعديله لدى الفرد.

أثر القراءة في السلوك

من الأمثلة على الأثر الذي تتركه القراءة في السلوك أن القراءة تغير سلوكنا من الغرور والتكبر إلى التواضع، فكلما قرأ الإنسان ازداد تواضعًا، يقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} سورة الإسراء: [الآية 85]. ويقول الإمام الشافعي رحمه الله:

كلما أدّبني الدهر أراني نقص عقلي

وكلما ازددت علما زادني علما بجهلي

والقراءة تغير سلوكنا نحو ممتلكات الآخرين، فعندما سئل أحد باعة الكتب في بغداد عن سبب تركه كتبه بلا رقابة أو حراسة، قال "من يقرأ لا يسرق، ومن يسرق لا يقرأ".

والقراءة يمكن أن تغير سلوكنا من الأثرة والأنانية إلى حب الخير للناس جميعًا، وذلك عندما نقرأ عن فضائل التعاون، وعن إنجازات فرق العمل، وعن العمل التطوعي والخيري، وثماره في الدنيا والآخرة.

والقراءة تغير سلوكنا من الرغبة في العزلة والانغلاق إلى الانفتاح على ثقافة الآخرين، والرغبة في الحوار معهم، حتى نتعرف عليهم ونستفيد من خبراتهم وتجاربهم.

والقراءة تغير سلوكنا تجاه الظلم والظالمين، فعندما نقرأ عن إهلاك الله عز وجل للظالمين، وعن عواقب الظلم الوخيمة نبتعد عن ظلم الآخرين.

وبالقراءة يتغير سلوكنا من الميل إلى الكسل والخمول والدعة إلى الجدّ والمثابرة عندما نقرأ تجارب وقصص الناجحين قديمًا وحديثًا.

وعندما نقرأ عن التلوث البيئي الذي يهدد وجودنا على كوكب الأرض يتغير سلوكنا من الإسراف في استهلاك المواد الطبيعية إلى ترشيد استهلاكها والمحافظة عليها.

والقراءة تجعل لحياتنا معنى وقيمة، فعندما نقرأ ندرك سبب وجودنا في هذه الحياة، ونقوم بالمهمة التي خلقنا من أجلها على أكمل وجه، يقول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} سورة الذاريات: [الآية 56].

وعندما نقرأ نعرف مصيرنا بعد الموت، فنستعد له بالأعمال الصالحة التي يحبها الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} سورة الحشر: [الآية 18].

هذه بعض الآثار الإيجابية التي تتركها القراءة في سلوك الإنسان، فلنقرأ لكي نحيا أكثر من حياة، ولنقرأ لكي نرتقي، ونحقق الاستخلاف في الأرض ونعمر الحياة، ولنقرأ لكي نُوصل الخير للإنسانية جمعاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.