أول عملية لزراعة قلب خنزير معدل وراثيا في جسم إنسان
نقلت وسائل الإعلام -أمس الثلاثاء- خبر زراعة قلب خنزير معدل وراثيا في جسم إنسان في أول عملية من نوعها، ويتساءل البعض: هل هذا جائز أم ممنوع؟
وللإجابة عن هذا السؤال، أقول وبالله التوفيق:
أولا: نقل أعضاء الحيوان إلى الإنسان
ذهب عدد من الفقهاء المعاصرين إلى جواز التداوي بأعضاء الحيوان، وقال البعض بجواز نقل الأعضاء من الكلب والخنزير، وممن ذهب إلى الجواز القرضاوي، حيث يقول: "إن الذي حرم من الخنزير إنما هو أكل لحمه، كما ذكر القرآن الكريم في 4 آيات، وزرع جزء منه في الجسم ليس أكلا له، إنما هو انتفاع به، وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الانتفاع ببعض الميتة -وهو جلدها- والميتة مقرونة في التحريم بلحم الخنزير في القرآن، {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل به لغير الله} [البقرة:173] فإذا شرع الانتفاع بها في غير الأكل، اتجه القول إلى شرعية الانتفاع بالخنزير في غير الأكل أيضا".
وقد قال بالجواز أيضا ابن عثيمين، حيث سئل عن وضع شريان من الخنزير في قلب الإنسان، فأجاب بقوله "لا بأس به، وينظر إلى الأنسب لقلبه لأن هذا ليس من الأكل، وهذا من باب الضرورة".
وواضح هنا أن جواز الانتفاع حاصل ما لم يجد المرء المنفعة في طاهر، فإن وجدت المصلحة في طاهر، حرُم الانتفاع بالنجس.
والكلام يحتاج إلى تفصيل، أبيّنه على هذا النحو:
إذا كان الحيوان حيا
إذا كان الحيوان حيا فلا بأس، حتى وإن كان المقطوع منه في حكم الميت، روى أحمد عن أبي واقد الليثي، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها ناس يعمدون إلى أليات الغنم وأسنمة الإبل فيجبونها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ما قطع من البهيمة وهي حية، فهو ميتة".
ومن ثَمّ، فيجوز النقل من الحيوان للإنسان ما وجدت المصلحة؛ فكما يكون ذبحه لمصلحة، فالأخذ منه عند الضرورة جائز. وإذا كان الحيوان مالا -وهو كذلك- فحفظ النفس مقدم على حفظ المال.
إذا كان الحيوان ميتا
إذا كان الحيوان ميتا وكان مباحا أكله كالسمك، فالنقل منه جائز لطهوريته حيا وميتا، روى أحمد عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في ماء البحر: "هو الطهور ماؤه، الحلال ميتته".
إذا كان الحيوان نجسا (الكلب والخنزير)
أ- اختلف العلماء في نجاسة الكلب، فيرى الحنفية أن الكلب ليس بنجس العين، ولكن سؤره ورطوباته نجسة. ويرى المالكية أن الكلب طاهر العين، لقولهم "الأصل في الأشياء الطهارة"؛ فكل حي -ولو كان كلبا أو خنزيرا- طاهر، وكذا عرقه ودمعه ومخاطه ولعابه، وإلا ما خرج من الحيوان من بيض أو مخاط أو دمع أو لعاب بعد موته بلا ذكاة شرعية، فإنه يكون نجسا، فهذا في الحيوان الذي ميتته نجسة. ويرى الشافعية والحنابلة أن الكلب نجس العين.
ب- أما الخنزير فالأصل حرمته، وقد اتفق الفقهاء على عدم جواز التداوي بالخنزير والنجس من حيث الجملة، هذا في حال الاختيار، فإذا وجد الحلال المباح من الأدوية ولم تكن ثم ضرورة فلا يجوز التداوي بالمحرم، والأصل في ذلك ما رواه أحمد أبي هريرة، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث"، وبما رواه أبو داود عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام"، وقد نقل عن أبي يوسف (صاحب أبي حنيفة) أن "جلود الميتة كلها -ومنها الكلب والخنزير- تطهر بالدباغة ظاهرا وباطنا"، ونصره الشوكاني في نيل الأوطار، واستدل هؤلاء بعموم الأحاديث، إذ إن الأحاديث لم تفرق بين خنزير وغيره. ويمكن القول بأن التحريم في الخنزير أكل لحمه، والنقل هنا لا علاقة له بالأكل، وللنووي كلام رائع في كتابه "المجموع"، يقول فيه "إذا انكسر عظمه فينبغي أن يجبره بعظم طاهر؛ قال أصحابنا: ولا يجوز أن يجبره بنجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه، فإن جبره بنجس، نُظر إن كان محتاجا إلى الجبر ولم يجد طاهرا يقوم مقامه فهو معذور، وإن لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم مقامه أثم، ووجب نزعه إن لم يخف منه تلف نفسه ولا تلف عضو".
وقد نقلت الجواز من قبل عن القرضاوي وابن عثيمين، فليراجع.
ثانيا: اعتراض وردّه
وقد يعترض البعض بأن الخنزير نجس فكيف يحمله الإنسان في جوفه وهو بين يدي ربه مصليا وطائفا، ويجاب عن ذلك بأن: الممنوع شرعا هو حمل النجاسة في الظاهر، أي خارج البدن، أما في داخله فلا دليل على منعه، إذ الداخل محل النجاسات من الدم والبول والغائط، وسائر الإفرازات، والإنسان يصلي، ويقرأ القرآن، ويطوف بالبيت الحرام، وهذه الأشياء في جوفه، ولا تضره شيئا، إذ لا تعلق لأحكام النجاسة بما في داخل الجسم.
واستأنس القرضاوي بما قاله ابن تيمية في الإنفحة حيث يقول: "فاللبن والإنفحة لم يموتا، وإنما نجسهما من نجسهما لكونهما في وعاء نجس، فيكون مائعا في وعاء نجس فالتنجيس مبني على مقدمتين، على أن المائع لاقى وعاء نجسا، وعلى أنه إذا كان كذلك صار نجسا. فيقال: أولا: لا نسلم أن المائع ينجس بملاقاة النجاسة وقد تقدم أن السنة دلت على طهارته لا على نجاسته. ويقال ثانيا: إن الملاقاة في الباطن لا حكم لها كما قال تعالى: {من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين} [النحل:66]، ولهذا يجوز حمل الصبي الصغير في الصلاة مع ما في بطنه.
ثالثا: شروط نقل أعضاء الحيوان إلى الإنسان
ويشترط في نقل أي جزء من الحيوان -طاهرا كان أم نجسا- عدد من الشروط وهي:
- وجود ضرورة ومصلحة متحققة لا متوهمة، ولا يدخل في هذا ما كان على سبيل التجميل الذي لا حاجة إليه ولا ضرورة.
- ألا يوجد علاج في غير الحيوان من مشتقات طبيعية أو أدوية كيمائية، لأن في المشتقات الطبيعية والمواد الكيمائية غُنية، ما لم يكن في أي منهما أضرار جانبية.
- يقدم الحيوان المباح أكله على غيره من الحيوانات إن تساوت المنفعة، لأن في المباح غُنية عن غيره.
- يقدم ما سوى الكلب والخنزير عليهما، إذا تساوت المنفعة، لما جاء في نجاسة الخنزير والخلاف الحاصل في شأن الكلب، وقد سبق الكلام عنه.
- أن يرفق بالحيوان عند النزع، إذ التعذيب محرم والرفق مأمور به، روى أحمد في مسنده عن عبد الله بن جعفر، قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته، وأردفني خلفه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبرز كان أحب ما تبرز فيه هدف يستتر به، أو حائش نخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا فيه ناضح له. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، حن وذرفت عيناه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه وسراته، فسكن فقال: "من رب هذا الجمل؟" فجاء شاب من الأنصار، فقال: أنا، فقال: "ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكاك إلي وزعم أنك تجيعه وتدئبه".
- ألا يكون في النزع تشويه للحيوان ولا مثلة به، لما جاء من النهي عن المثلة، كما في حديث البخاري عن سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدث، قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النهبة والمثلة"، وعند البخاري أيضا عن ابن عمر: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مثل بالحيوان".
- ألا يقتل الحيوان إلا عند الضرورة، لما جاء في المسند عن الشَّرِيد قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قتل عصفورا عبثا، عجّ إلى الله عز وجل يوم القيامة منه، يقول: يا رب إن فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني لمنفعة".
الخلاصة
والخلاصة أنه لا مانع من التداوي بأعضاء الخنزير أيا ما كان هذا العضو، إذا لم يكن هناك علاج في المباح، وأن العلاج بأعضاء الخنزير نقلا أو زرعا ينبغي أن تتوفر فيه شروط منها وجود الضرورة أو الحاجة، وأن يتحقق الرفق بالحيوان عند النزع منه، إلى غير ذلك من الشروط السابق ذكرها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.