شعار قسم مدونات

خواطر على هامش "الشفت"

جانب آخر من غرفة الأخبار
جانب من غرفة الأخبار (الجزيرة)

الصحافة مهنة شاقة ومؤلمة إذا كان لديك ضمير حي، فاستقبال وتصدير مشاهد إنسانية عبثية بشكل يومي قد يؤثر على سلامتك النفسية بشكل خطير، بعد فترة ستتأقلم وتتحول من مرحلة الإحساس إلى مرحلة التبلد، ستفقد مشاعرك، لن تحرك مشاهد قتل ودمار أو فرح وإنجاز فيك ساكنا.

يتلقى الإنسان العادي الأخبار بمشاعر مختلفة، والتي حتما ستؤثر فيه وتترك علامات وتنقله من حال إلى حال، فيتأثر بأحداث الدمار والخراب في منطقة ما، ويفرح بفوز فريقه الرياضي، ويتعاطف مع حالة إنسانية مؤثرة، وهو ما سيفقده الصحفي بمرور عمره في المهنة.

بمرور الوقت ستتحول إلى آلة بشرية، ستجد صعوبة في تفهم مشاعر من حولك، دموعهم وابتساماتهم، فرحهم وحزنهم، غضبهم ورضاهم، يأسهم واستبشارهم، تلك الآلة لن تتوقف عن العمل بأي حال، لكن يجب أن نحاول أن نهدئ حركتها بعض الشيء.

لن تشعر بمرور الوقت، فالأحداث مكررة يختلف فيها عاملا الزمان والمكان فقط من دولة إلى أخرى ومن شعب لآخر، المآسي واحدة، والكوارث تعيد نفسها، والأزمات تتلاحق، وأنت تلهث وراء الخبر.

لكن أخبارا لها نوعية خاصة جدا من العظمة هي فقط الكفيلة بأن تخرجك من تلك الحالة، منها "عملية فرار أسرى فلسطينيين من سجن شديد الحراسة محاط بأحدث الوسائل التقنية ولم يكن معهم إلا إيمانهم بالله وعدالة قضيتهم".

الخبر يؤكد أن هناك أملا في تغيير ما قد يحدث هنا أو هناك يحرك حالة المآسي الإنسانية التي نتابعها في غرف الأخبار فتضغط على عقولنا وذواتنا، ما فعله الأسرى الفلسطينيون يجسد حالة من الصبر الطويل والعمل الكتوم للوصول إلى هدف كان غامضا لديهم حتى اللحظات التي اكتشفوا أنهم في الهواء الطلق.

حالة الصبر الطويل هي ما نحتاج إليها في غرف الأخبار كحيلة نفسية دفاعية نقاوم بها حالة التحول إلى آلة بشرية، فالصحفي إنسان ويجب أن يحافظ على هذه الصفة، فيجب ألا يكون له موقف مخالف للطبيعة الإنسانية العامة بغض النظر عن اعتناقه أيديولوجية معينة.

هل هناك فرصة للخروج من هذا المأزق؟ بالتأكيد طالما هناك أمل تبثه بعض الأخبار، فأيضا هناك أمل كبير في كسر حالة الجمود التي تصيبنا بمرور الوقت، لكن يجب الأخذ بعدة أسباب، أهمها أنه في فترة الراحة يجب الابتعاد تماما عن أي مصدر أخبار قد يعيدك لجو العمل، هاتفك أو جهاز الحاسوب وحتى الجرائد ابتعد عنها تماما، فرغ عقلك تماما واسترخِ، وتذكر دائما أن لنفسك وبدنك عليك حقا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.