الجميع يصرخ: إنها أزمة وعي؛ أنت لا تملك وعيا كافيا، لست واعيا لما يحدث من تغيرات وأحداث من حولك.
أنت كالطفل في سنواته الأولى لا يدرك شيئا من حوله، حتى الأشياء المحسوسة لا يكاد يدركها؛ كصفحة بيضاء خالية من المعقول والمحسوس.
نحن الواعون.. نحن من يحق لنا تحديد مصيرك وإرادتك وحريتك ونسمع ما لا تسمعون.. ونبصر ما لا تبصرون.. إننا نرى ما لا ترون.. أنتم لا ترون أبعد من أنوفكم.
لنترك الوصف قليلاً ولنعود إلى السؤال الأول:
- ما الوعي؟
- هل هناك شيء اسمه الوعي؟
- هل هو شيء ذاتي أو شيء موضوعي؟
- هل الوعي ذاته نابع من العقل أو التجربة؟
لعل الحديث عن الوعي ضرب من ضروب السفسطة، وما أقصده بالسفسطة هو الكلام النسبي غير القابل للإدراك من قبل الجميع. فلكلّ مجتمع وعي محدد، ولكلّ فرد وعي آخر نابع من تجاربه وإحساسه وإدراكه الذاتي، فالوعي شيء ذاتي لا موضوعي.
العلماء والفلاسفة منذ الأزل تساءلوا: ما الوعي؟
فالموضوع قديم قدم الإنسان، ولا أعتقد بوجود فلاسفة محدثين أفضل من الفلاسفة القدماء كأفلاطون وابن رشد وأرسطو وغيرهم، فالحديث حول الوعي خاضه السابقون.
فلا أعتقد بأن الوعي نابع مما يعيه الإنسان، سواء أكان وعيه صحيحا أم خاطئا؛ حتى أشد الناس تطرفا وعدوانية ينادون بالوعي.. فأي وعي يقصدون؟
في حوارنا الشيق يشاركنا الرفيق كارل ماركس والفيلسوف نيتشه وأبو الطب النفسي سيغموند فرويد.
ولنبدأ بكارل ماركس..
- ما الوعي يا ماركس؟
ماركس: إن الوعي هو ذلك البناء الفوقي الذي تتجلى فيه جميع الأنشطة الإنسانية، لا نستطيع إطلاقا أن نتمثل الوعي في معزل عن الأوضاع الاجتماعية.
إن الوعي على علاقة رئيسية بالإنتاج، فالناس يدخلون في علاقات إنتاج معينة خارجة عن إرادتهم، تولد عندهم درجات متنوعة من الوعي.
ومن هنا يقول ماركس جملته الشهيرة "ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم".
ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم.
ولنترك كارل ماركس ووعيه، فقد أثبتت الأيام أن وعي الماركسيين لم يكن صائبا على الدوام، ولنذهب إلى "فيلسوف المجانيين" نيتشه..
- ما الوعي يا نيتشه؟
نيتشه: إن بإمكان الإنسان أن يعيش حياته في استقلال عن الوعي تماما، ولما كانت الحياة البشرية معرضة للهلاك بوصفها حياة يؤطرها الصراع من أجل البقاء؛ اضطر الإنسان لأن يعبر عن نفسه في كلمات، ومن ثم يكون نمو اللغة ونمو الوعي متلازمين.
هكذا اختلق الإنسان لنفسه أوهاما، كالواجب والمسؤولية والحرية والوعي… إلخ، فالحقائق في العمق ليست إلا أوهاما.
فرويد: مهلاً، مهلاً، يا نيتشه..
أنت تتحدث من اللاشعور؟
إننا مخطئون جدا إذا نسبنا كل سلوكياتنا إلى الوعي وحدهُ، لأن كل هذه الأفعال الواعية تبقى غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى القول إنه لا بد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فينا.
إن كثيرا من السلوكيات لا تفهم إلا إذا أرجعناها إلى الجانب الأساسي من حياتنا النفسية وهو اللاشعور.
الإنسان لا يتحرك إلا بدوافع لا شعورية لا واعية.
إن الحياة الإنسانية أشبه بجبل الجليد، وما يظهر منه أقل بكثير مما هو خفي.
إننا نستطيع القول إن الحياة الإنسانية حياة مزدوجة، والحديث حول العلوم الإنسانية نسبي ومركب، إذ يلعب فيها كلّ من الوعي واللاشعور دورا مركزيا في صناعة الإنسان، ولا يجب أن ننسى أن للإنسان حرية وإرادة ومسؤولية بعيدا عن بيئته المجبور عليها، إذ يختار الإنسان كثيرا من سلوكه بكامل الوعي.
أما الحديث عن الوعي الصحيح من الوعي الخاطئ والفصل بينهما فصلا نهائيًّا فيعدّ ضربًا من ضروب السفسطة والجدل العقيم، ولا يعني ذلك أننا لا نستطيع تحديد الوعي الصحيح من الوعي الخاطئ، ولكن يبقى هذا التحديد نسبيا، فقد يمتلك أحدهم الوعي الصحيح بمقدار 10%، والآخر بمقدار 30%، ولكن جميعهم في الأخير غارقون في الوهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.