قبل 50 عاما كان هناك اعتقاد بين رياضيي الجري والتحمّل يفترض أن الإنسان لا يستطيع أن يقطع ميلا واحدا في أقل من 4 دقائق، وأن أي شخص يحاول كسر هذا الرقم فسوف ينفجر قلبه ويموت!
لكن أحد الرياضيين سأل سؤالا منطقيا: هل فعلا هناك شخص حاول قبل ذلك قطع تلك المسافة في أقل من 4 دقائق وانفجر قلبه؟ فجاءته الإجابة بالنفي!
فبدأ هذا الرياضي بالتمرن حتى استطاع أن يكسر عمليا الرقم، ويقطع مسافة الميل في أقل من 4 دقائق.
في بداية انتشار الخبر ظنّ العالم أنه مجنون، أو أن ساعته غير صحيحة، لكن بعد أن رأوه صدّقوا الأمر، واستطاع في نفس العام أكثر من 100 رياضي أن يكسروا ذلك الرقم. وفي العام الذي يليه استطاع 300 رياضي أيضا كسر هذا الرقم.
لو سألنا أنفسنا سؤالا: ما الذي جعل الافتراض إياه مُصدَّقاً في بداية الأمر؟ الإجابة: بالطّبع القناعة السّلبية هي التي منعتهم من المحاولة، فلما زالت القناعة؛ استطاعوا أن يبدعوا ويكسروا تلك النظرية الافتراضية غير الواقعية.
هذا الخبر يسُوقنا إلى افتراض عملي مهم، وهو أن أحدنا لو أراد نتائج مختلفة؛ فما عليه إلا صناعة شيء مختلف، لكن الأمر يحتاج إلى عزيمة وعدم الاستسلام للأمر الواقع وللافتراضات والإملاءات من البيئة المحيطة.
القوانين أو الاعتقادات في أغلب المجتمعات تتضمن آليات وأساليب مُعقّدة تجعل الإنسان حبيسا لكثير من الأفكار الوهمية والافتراضية التي لا رصيد لها على أرض الواقع، وأنه لو خرج قليلا أو فكّر خارج الصندوق، فإن الإبداع سينفجر من بين جنباته، وسيكون شخصا مختلفا ومفيدا لشخصه ولمجتمعه بشكل عام.
الغياب والحضور مسألة مهمة في حياة الناس، فصنف منهم يغيب، ولكننا لا نشعر بغيابه مطلقا، بمعنى أن حضوره وغيابه سيان، لا فرق بينهما، لأنه عادة ما يكون عاديا لا يُقدّم ولا يُؤخر. وصنف ثانٍ يغيب، ولكن غيابه يُحدث فرقا واضحا، لأنه غالبا بل دائما يمثل شخصية فريدة لها حضور قوي ومؤثر ولا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، لأنه بكل بساطة يتجاوز في أسلوب عمله وحضوره حدود التفكير النمطي العادي، ويقفز إلى التفكير الإبداعي، فيكون مفيدا لشخصه ولمجتمعه الذي هو جزء منه، ولا يكون أسيرا للافتراضات الوهمية التي تعود به إلى الخلف.
الوقت يمضي والأيام تمر وعقارب الساعة تسير سيرا سريعا لا تنتظر أحدا من الناس، لكن الأثر يبقى، وتبقى خطواته حاضرة وماثلة أمام الناس، فاختر لنفسك موقعا آمنا ومكانا مؤثرا بين العالمين، فهل ستكون مجرد شخص يعدّ أنفاسه وتنقضي سنواته وهو أسير لافتراضات الواقع القاتلة؟ أم سيبقى لك أثر واضح قبل الممات وبعده؟ أنت المجيب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.